الانقسام حول الثورة … الإنقلاب وإعادة الفرز | د. رفيق حبيب
مثلت ثورة يناير ،خروجا على النظام الحاكم ،أسقط رأس النظام ،فكان قطيعة مع النظام المستبد، من أجل بناء نظام جديد .وكان من المفترض ،أن تتجمع كل القوى التي تريد بناء نظام ديمقراطي جديد، حتى تحمي مسار الثورة ،وتحدث الإنقطاع الكامل مع النظام المستبد ،وتبني نظاما سياسيا جديدا. وحتى تنجح الثورة ،كان يفترض أن تتجمع كل القوى السياسية المؤيدة للثورة ،والمعارضة للنظام السابق ،حتى تخرج المؤسسة العسكرية من المجال السياسي ،فتصبح السلطة المدنية المنتخبة ،هي السلطة الوحيدة في الدولة. ولم تكن الثورة عمال قادته ونظمته قوى سياسية بعينها ،فلم تكن ثورة لها قيادة .لهذا ،لم تنتقل السلطة لقيادة الثورة ،ألنها لم تكن موجودة ،ولم يسقط رأس النظام السابق ،من خلال تفاوض مع قيادة المعارضة الثورية ،لأن قوى الثورة لم يكن لها قيادة موحدة. وألن تشكيل قيادة للثورة ،بعد نجاحها في اسقاط رأس النظام ،لم يكن ممكنا ،لذا أصبحت القوى المعارضة للإستبداد ،أي القوى الديمقراطية ،ليس أمامها إلا القيام بدورها في تأسيس النظام السياسي الجديد من خالل خارطة طريق للتحول الديمقراطي. فقد تسلم المجلس األعلى للقوات المسلحة السلطة ،وحاول أن يبدو طرفا محايدا ،لا عالقة له بالنظام السابق ،رغم أنه جزء منه ،ووضع خريطة الطريق ،وشكل الحكومة .فلم تتمكن قوى المعارضة الثورية، من وضع خريطة الطريق بنفسها ،أو تشكيل الحكومة .فأصبح دور القوى المعارضة للنظام المستبد ،يبدأ بعد تسلم السلطة من خالل االنتخابات. وقبل الثورة ،حاولت جماعة الإخوان المسلمين ،تأسيس تحالف سياسي ،وعقدت عدة مؤتمرات بعنوان من أجل مصر ،واستمرت بعد الثورة ،ثم استمر حزب الحرية والعدالة في العمل من خالل التحالف الديمقراطي ،حتى يصبح تجمعا للقوى المعارضة ،التي تستهدف تأسيس النظام السياسي الديمقراطي. وأصبح التحالف الديمقراطي يمثل التكتل السياسي الأكبر ،والأكثر تنوعا .فقد استهدف حزب الحرية والعدالة ،بناء تحالف يضم قوى إسالمية وعلمانية ،حتى يكون تحالفا واسعا ومتنوعا .ووضع للتحالف برنامجا للعمل السياسي ،وأيضا وثيقة عن المبادئ الدستورية الأساسية للنظام الجديد .كما وضع التحالف القواعد التي يلتزم بها ،في اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. عمل قادة حزب الحرية والعدالة ،بإصرار واضح ،على أن يكون هذا التحالف ،هو القاطرة التي تقود المرحلة االنتقالية ،بحيث يمثل التحالف أغلبية داخل أول مجلس شعب منتخب ،ومن ثم يشكل الحكومة، ويقود عملية وضع الدستور الجديد ،من خالل ما تحقق من تفاهمات داخل التحالف. ورغم العديد من الصعوبات التي واجهت التحالف ،إلا أنه مثل توافقا ،بين قاعدة واسعة من القوى السياسية .وحاولت قيادة حزب الحرية والعدالة ،تقوية هذا التحالف ،حتى يمثل توافقا وطنيا ،يواجه دولة النظام السابق ،ويواجه تدخل قيادة المؤسسة العسكرية في السياسة. بوادر الإختلاف رغم أن ما أنجزه التحالف الديمقراطي ،كان يمثل توافقا كافيا ،لتحقيق العبور الديمقراطي ،إلا أن العديد من الإختلافات كانت تظهر على السطح ،وتكشف عن وجود اختلافات أساسية بين مكونات التحالف. وكانت معظم تلك الإختلافات ،تظهر في الحوارات مع قيادة القوات المسلحة ،حيث بات واضحا ،أن بعض القوى لها موقف آخر ،تكشف عنه مع قيادة القوات المسلحة ،حتى وإن لم يظهر في حوارات التحالف الديمقراطي. و رغم أن قيادة القوات المسلحة هي التي وضعت خارطة الطريق ،إلا أنها بدأت تعتقد أن تلك الخريطة لن تؤدي إلى النتائج التي تريدها ،مما جعل قيادة القوات المسلحة ،تحاول وضع قيود على خريطة الطريق ،من خلال الضغط على القوى السياسية ،خاصة حزب الحرية والعدالة. وفي شهر يوليو كانت الصورة واضحة ،حيث أرادت قيادة القوات المسلحة وضع وثيقة مبادئ فوق دستورية ،تقيد كيفية اختيار اللجنة التأسيسية ،وتقيد عمل اللجنة .وكان موقف قيادة القوات المسلحة ،مدعوما من أغلب القوى العلمانية ،بما في ذلك القوى المشاركة في التحالف الديمقراطي. وأتضح في العديد من المواقف ،أن القوى العلمانية الأكثر اعتداال ،تتأثر بموقف القوى العلمانية الأكثر تشددا ،والتي تدفعها بعيدا عن أي توافق أو تحالف مع قوى إسالمية ،خاصة حزب الحرية والعدالة. مما يؤدي إلى بروز الفجوة بين القوى العلمانية والقوى اإلسالمية. حقيقة االختالف هل فشل التحالف الديمقراطي قبل أن يبدأ؟ أو هل فشل التحالف بين قوى إسالمية وقوى علمانية؟ كان من الواضح ،رغم أن التحالف الديمقراطي استمر حتى انتخابات مجلس الشعب ،أن هناك اختالفات جوهرية بين القوى السياسية ،تعيق عملية التوافق السياسي .وهذه الإختلافات ،كانت فعليا ،حول الثورة، وما تعنيه عملية التحول من نظام مستبد ،إلى نظام ديمقراطي. فبعض القوى العلمانية كانت مرتبطة بالنظام السابق ،وبشبكة مصالح النظام السابق ،مما جعل موقفها من نظام ما قبل الثورة ،مختلفا عن أي موقف ثوري ،يستهدف بناء نظام سياسي جديد .وبعض القوى أو النخب والرموز ،كانت عمليا جزء من النظام السابق ،وكان وجودها في مشهد الثورة ،لخدمة النظام السابق وحمايته ،والعمل على استعادته مرة أخرى. وأغلب القوى العلمانية ،كان لديها تحفظ على أي مرجعية إسالمية في الدستور ،ولم تكن توافق على المادة الثانية ،الخاصة بمرجعية الشريعة الإسلامية ،إلا تجنبا الستفزاز عامة الناس .مما جعل أغلب القوى العلمانية ،تستهدف بناء نظام سياسي مقيد، لا يسمح بأن تكون مرجعية النظام السياسي إسلامية ،إلا شكليا فقط. وأغلب القوى العلمانية أيضا ،كانت تؤيد بقاء القوات المسلحة في الحكم لمدة طويلة ،وكانت تؤيد أن يكون للقوات المسلحة دورا سياسيا ،وأن يكون لها حصانة دستورية .ومن المعروف أن النظام الديمقراطي ،يقوم على خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية المنتخبة ،مما يعني أن أغلب القوى العلمانية ،لم تكن تدافع عن نظام ديمقراطي كامل ،بل كانت تدعم نظاما ديمقراطيا مقيدا ،أو موجها.
وثيقة السلمي
مع تصاعد الضغوط السياسية حتى شهر نوفمبر ،2011كانت الفجوة بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية في تزايد ،وهو ما أضعف من احتماالت نجاح التحالف الديمقراطي ،وبالتالي أفشل أي محاولة لوجود تحالف سياسي واسع ،يتمكن من قيادة المرحلة االنتقالية ،لتحقيق أهداف الثورة .وأصبحت وثيقة السلمي ،تمثل النص الأهم ،الذي يبرز الخالف بين القوى السياسية بعد الثورة.
فوثيقة السلمي ،وهي مقترح من قيادة القوات المسلحة أساسا ،وتبنته الحكومة ،وضعت قيودا على عملية تشكيل اللجنة التأسيسية ،ووضعت قيودا على عمل تلك اللجنة ،ثم وضعت عدد من المبادئ التي تلتزم اللجنة بوضعها في الدستور ،وهي المبادئ التي تكرس عسكرة وعلمنة الدولة .وأغلب القوى العلمانية وافقت على تلك الوثيقة ،مما يعني أن القوى العلمانية ،لم تكن تؤيد بناء ديمقراطية كاملة غير منقوصة ،ولم تكن تؤيد القطيعة الكاملة مع النظام السابق ،رغم أنها وقفت ظاهريا في صف الثورة.
الخلاف حول الثورة
المتابع لمسار مرحلة ما بعد الثورة ،يكتشف أن الخلاف الحقيقي كان حول الثورة نفسها .فإذا كانت الثورة ،هي الحدث التاريخي ،الذي ينهي النظام السياسي المستبد ،ويحدث قطيعة معه ،حتى يتم بناء نظام ديمقراطي حقيقي؛ فإن العديد من القوى العلمانية ،لم تكن تريد إحداث قطيعة مع النظام السابق ،والعديد من تلك القوى ،لم تكن تؤيد بناء نظام سياسي ديمقراطي كامل ،بل كانت تؤيد ما يسمى بالنظام الديمقراطي المقيد أو الموجه ،وهو ليس نظاما ديمقراطيا في كل الأحوال. لذا لم يتحقق التحالف والتوافق السياسي ،الالزم لمواجهة النظام السابق ،وإحداث القطعية الكاملة مع النظام السابق ،لبناء النظام السياسي الجديد .وأيضا ،لم يتحقق تحالف وطني واسع ،لمواجهة دور المؤسسة العسكرية في السياسة ،وإخراجها من المجال السياسي. والقوى التي أيدت فكرة المبادئ فوق الدستورية ،وفكرة بقاء العسكر في الحكم ،وتأجيل تسليم السلطة ،وفكرة وثيقة السلمي ،في أغلبها؛ هي القوى التي أيدت االنقالب العسكري ،وهي التي تؤيد دستور االنقالب العسكري ،الذي يهدف إلى عسكرة وعلمنة الدولة. وأغلب القوى التي كانت أكثر قربا من نظام ما قبل الثورة ،هي التي أيدت االنقالب العسكري، وأغلب القوى التي مثلت معارضة حقيقية لنظام ما قبل الثورة ،هي التي رفضت االنقالب العسكري. والقوى العلمانية ،التي تنحاز لدور سياسي للمؤسسة العسكرية ،تعتقد أنها لن تتمكن من منافسة القوى اإلسالمية انتخابيا ،مما يعني أنه ال توجد وسيلة لحصار المرجعية اإلسالمية ،إال بتدخل المؤسسة العسكرية في السياسية ،لفرض علمنة الدولة. إعادة الفرز كان من المفترض أن تكون كل قوى الثورة في جانب ،في مواجهة النظام السابق ،حتى تتمكن من بناء نظام ديمقراطي حقيقي ،وتغير أدوار مؤسسات الدولة ،خاصة المؤسسة العسكرية ،طبقا لقواعد النظام الديمقراطي ،وهو ما لم يحدث .فأصبح الخالف بين القوى المنسوبة للثورة ،هو الثغرة التي ينفذ منها النظام السابق ومؤسساته ،حتى تعود للحكم مرة أخرى ،وتجهض الديمقراطية. وتطور تدريجيا ،تحالف القوى العلمانية مع مؤسسات دولة النظام السابق ،خاصة الجيش والقضاء، حتى أصبح تحالفا كامال ،منذ انتخابات مجلس الشعب ،ثم وصل لحالة التطابق ،بعد االنتخابات الرئاسية. وبهذا ،أعيد فرز القوى السياسية مرة أخرى. وبعد االنقالب ،وعودة النظام المستبد للحكم مرة أخرى ،أصبحت سلطة االنقالب وحلفائها ،يمثلون النظام السياسي المستبد ،في مواجهة تحالف دعم الشرعية ورفض االنقالب ،الذي أصبح يمثل الثورة .وهو ما أعاد ترتيب األوراق ،بحيث تصبح المواجهة بين القوى التي تريد إعادة االستبداد ولو بشكل ديمقراطي ظاهري ،والقوى التي تريد بناء النظام الديمقراطي الكامل. 4
فالانقلاب أعادة فرز القوى السياسية ،وحدد موضعها ،بصورة أكثر وضوحا .ألن القوى التي نسبت للثورة ،وكانت مرتبطة بالنظام السابق ،والقوى التي نسبت للثورة ،وكانت تريد ديمقراطية منقوصة ومقيدة ،أسهمت في تفتيت قوى الثورة ،وسمحت بإجهاض تجربة التحول الديمقراطي. وتأييد أغلب القوى العلمانية الانقلاب العسكري ،وتأييدها أيضا لوجود دور للقوات المسلحة في المجال السياسي ،أخرجها واقعيا من صف الثورة والنظام الديمقراطي الحقيقي .كما أن رغبة أغلب القوى العلمانية ،في فرض هوية علمانية للدولة ،بغير اختيار شعبي ،جعلتها عمليا ضد الديمقراطية الكاملة والحرية الكاملة ،أي ضد تحرير اإلرادة الشعبية تحريرا كامال. كما أن االنقالب العسكري ،أوضح وحدد موقف كبار ضباط الجيش ،حيث كانت قيادة القوات المسلحة بعد سقوط رأس النظام ،تحاول الظهور وكأنها طرف محايد بين القوى السياسية ،تدير الحوار بين تلك القوى ،لرسم خريطة طريق التحول الديمقراطي .ولكن بعد االنقالب العسكري ،ظهر الموقف الحقيقي لكبار الضباط بالجيش ،الذي يستهدف بناء ديمقراطية مقيدة ،لها مرجعية إسالمية شكلية ومقيدة .كما ظهر موقف كبار الضباط ،الهادف إلى قيام قيادة القوات المسلحة بدور سياسي ،حتى تحافظ على النفوذ والسلطة السياسية للمؤسسة العسكرية ،وتحمي امتيازاتها. والحقيقة أن موقف كبار الضباط بعد ثورة يناير ،لم يختلف عن موقفهم بعد االنقالب العسكري، ولكن في البداية ،لم يحدد كبار الضباط تصور واضح ،ثم تشكل هذا التصور تدريجيا ،وظهر في فكرة المبادئ فوق الدستورية ،ثم ظهر بصورة متكاملة في وثيقة السلمي. مما يعني ،أن االنقالب العسكري ،تسبب في إعادة تموضع القوى السياسية ،ومؤسسات دولة ما قبل الثورة ،ليظهر الصورة الحقيقية للمواجهة ،ويحدد بصورة قاطعة ،طرفي النزاع بعد الثورة ،أي القوى الداعمة لدولة االستبداد ،والقوى الداعمة للتحول الديمقراطي الكامل. تطور مسار الثورة تسبب االنقالب العسكري ،في تطوير مسار الثورة ،لتصل إلى مرحلة المواجهة الثنائية ،حيث تشدد المواجهة بين قوى االستبداد ،وقوى الثورة والتحول الديمقراطي .فبسبب االنقالب العسكري ،خرجت مصر من حالة السيولة التي أعقبت الثورة ،والتي سمحت بعودة النظام السابق في شكل انقالب عسكري ،ودخل مسار الثورة في مرحلة المواجهة المباشرة والحاسمة. كما أحدث االنقالب العسكري تطورا مهما ،حيث أصبح للثورة قيادة ،تنظم حركة االحتجاج الثوري ،وتمثل قوى الثورة ،التي أيدت التحول الديمقراطي الكامل ،ودافعت عن ما أنتجته العملية السياسية الديمقراطية. مما يعني أن االنقالب العسكري ،وإن كان أعاد النظام السابق للحكم ،إال أنه أعاد ترتيب ساحة المواجهة ،بين سلطة تمثل االستبداد ،ومعها حلفائها ،وتحالف سياسي ،يقود المواجهة ضد االستبداد ،وضد أي شكل من أشكال الديمقراطية المقيدة أو الموجهة ،من أجل استعادة الثورة ،بتحقيق التحرر الكامل غير المشروط لإلرادة الشعبية. وكل األوضاع التي رافقت مسار الثورة ،تغيرت بسبب االنقالب العسكري .فبعد ثورة يناير ،لم تحدث المواجهة المباشرة بين النظام السابق ،والقوى التي تريد بناء النظام الجديد ،بسبب تولي قيادة القوات المسلحة لمهمة إدارة المرحلة االنتقالية ،مما صعب أن تكون المواجهة معها .وظلت دولة النظام السابق، تعمل على األرض من أجل إفشال الثورة والتحول الديمقراطي. 5
وبعد أن كان خصوم الثورة والديمقراطية ،يتسرب بعضهم داخل بنية الثورة نفسها ،ويستعد لالنقضاض على الثورة ،أصبح خصوم الثورة يحكمون بعد االنقالب العسكري ،فأصبحوا وجها لوجه ،مع احتجاج ثوري يحاصرهم ،ويسقط سلطتهم. حلفاء الانقلاب رغم أن كل من أيد االنقالب ،سعد به ،وتصور أنه أصبح يحكم بسبب الانقلاب ،إال أن الحقيقة غير ذلك .فال مجال الستمرار االستبداد بعد الثورة ،وعودة االستبداد والدولة البوليسية مؤقت ،وكل من أيد االنقالب ،أصبح في موقف حرج ،ألنه راهن على وضع مؤقت ،وظن أنه يمكن أن يستمر. ومشكلة القوى العلمانية ،أو أغلبها ،أنها أصبحت في صف القوى المستبدة ،ومع الدولة البوليسية، مما جعلها تقف عمليا مع النظام المعادي للثورة ،مهما حاولت أن تنسب نفسها للثورة ،أو تنسب نفسها لثورة جديدة .فال توجد ثورة في التاريخ ،تأتي بدولة بوليسية قمعية ،وإن كانت الثورات تتعرض لمحاولة االنقضاض عليها ،الستعادة النظام المستبد. ومع تطور المواجهة بين السلطة العسكرية الحاكمة ،وحركة االحتجاج الثوري ،ستجد القوى العلمانية أن رهانها على تدخل القوات المسلحة لمصلحتها ،قد قلص من أي خيارات مستقبلية لها ،وأنها أصبحت أمام رهانها الوحيد واألخير. وبعض الكتل التي أيدت االنقالب العسكري ،تكتشف حقيقته وتغير موقفها ،وتتحول للدفاع عن الحرية والديمقراطية ،ضد الحكم العسكري ،فبعضها لم يكن يدري أنه يساهم في إعادة الحكم العسكري. ولكن بعض الكتل التي تؤيد االنقالب العسكري ،تؤيد حتى الحكم العسكري ،كراهية للمشروع اإلسالمي، أو خوفا منه .وتلك الكتل اختارت موقعا ،يضعها في مأزق اجتماعي عميق ،خاصة وأنها تظن أن االنقالب العسكري سوف ينجح ويستمر ،ولم تدرك أن االنقالبات العسكرية ،تمثل حالة مؤقتة في مسار الثورة. الخالصة في المرحلة األولى من الثورة ،لم يكتمل التحول الديمقراطي ،أو تم إجهاضه بسبب عدم توافق كل القوى السياسية على قواعد العملية الديمقراطية ،وبسبب عدم قبول قيادة القوات المسلحة ،وكل قيادات الدولة العميقة للتغير الحادث بعد الثورة .ولم يتشكل تحالف ثوري واسع ،للدفاع عن مسار الثورة والديمقراطية. وبعد االنقالب العسكري ،تغير المسار ،حيث تجمعت كل القوى المؤيدة للديمقراطية الشكلية أو المقيدة معا ،وتجمعت كل القوى المؤيدة للديمقراطية الكاملة معا .وأصبح للثورة كتل تدافع عنها ،تمثل تيارا اجتماعيا ثوريا ،يدافع عن الثورة والديمقراطية والحرية الكاملة. وبعد االنقالب ،وقفت قيادة القوات المسلحة ضد الثورة وضد التحول الديمقراطي ،وغيرت عقيدتها العسكرية ،ودخلت في حرب شوارع ،ضد الكتل المؤيدة للتحرر الكامل .وأصبحت قيادة القوات المسلحة، طرفا مباشرا في النزاع ،بعد أن كانت طرفا غير مباشر. إن االنقالب العسكري ،غير الخريطة السياسية ،فبرزت المقابلة بين طرفين ،لكل منهما موقف واضح ومعلن ،طرف يمثل االستبداد ،وطرف يمثل الحرية ،فلم تعد الثورة قابلة لالختراق كما كانت.
6
التعليقات مغلقة.