نزار وإرث قائد الأركان | نجيب بلحيمر
يتأسف أنصار قائد الأركان السابق أحمد ڨايد صالح على رحيله واشتد حزنهم بعد أن علموا بعودة الجنرال الهارب خالد نزار إلى الديار في غفلة من الجزائريين.
يقول هؤلاء ما كان هذا ليحدث في حياة أحمد ڨايد صالح، وهم بذلك يثبتون عجزهم عن رؤية النظام في جوهره بعيدا عن الأشخاص الذين تعودنا على اختزال النظام فيهم وراقبنا سلوكه من خلال قراراتهم.
عاد نزار، وسيجد من يبرر عودته، لأن الذي حرك القضاء ضده لم يكن مهتما بتكوين ملف ذا مصداقية، تركه حرا حين ساهم في كشف ما كان ينوي السعيد بوتفليقة فعله، واستعان بشهادته في المحكمة، وحين غادر إلى إسبانيا وبدأ بالتحريض ضده جعله متهما حتى حكم عليه غيابيا بالسجن عشرين سنة، وبقاء المذكرة الدولية بالقبض على نزار دون فعالية دليل آخر على عدم الجدية في ملاحقته بتهم مؤسسة.
هذا يحيلنا على أكبر مغالطة جرى الترويج لها قبل انطلاق السلمية واستمرت إلى غاية وفاة أحمد ڨايد صالح قبل سنة من الآن، هذه المغالطة تجسدت في مقولات التطهير، والقيادة النوفمبرية للجيش، مقولات قامت على الطعن تلميحا في خيارات قيادة الجيش في التسعينيات والإيحاء بأنها النقيض للقيادة الجديدة التي استحوذت على نوفمبر وجعلته صفتها التي تتفرد بها.
الحقيقة أن خطابات أحمد ڨايد صالح، وما كانت تنشره مجلة الجيش، لم تتضمن أي نقد لخيارات الجيش السابقة أو لقياداته، ومع أنه أستعمل وصف القيادة النوفمبرية فإنه لم يمس بالتركة السياسية للقيادة السابقة، ولعله كان مدركا بأن ذلك خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن الصراعات الشخصية يمكن تسويتها دون المغامرة بالمساس بسمعة الجيش، وربما كان يعرف ان الحفاظ على منصبه والتفاف القيادة يتطلب التزام الحد الأدنى من الحذر.
لم ينتبه المتحمسون من الإسلاميين، من قادة سابقين للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وأحزاب إسلامية معتمدة، إلى تلك الحدود التي وضعها أحمد ڨايد صالح في صراعه مع خصومه من العسكريين، وجعلوا أمانيهم في تبني الجيش لإيديولوجية، أو على الأقل تخليه عن مواقف القيادة السابقة، حقيقة بنوا عليها مواقفهم من السلمية والتجاذبات التي حدثت بين الشارع والسلطة الفعلية، وربما فهم هؤلاء سكوت قيادة الجيش على تصريحاتهم وقراءاتهم المعلنة لما يجري داخل الجيش تأكيدا لما اعتبروه حقيقة، وفي ظل حالة الاستقطاب نسي هؤلاء أن لا أحد من العسكريين المتابعين من طرف القضاء وجهت له تهمة لها صلة بملف التسعينيات، ومع ذلك استمر هؤلاء في ترويج هذه المغالطات خوفا أو طمعا.
إلى هؤلاء يضاف إعلاميون ومعلقون سوقوا مقاربة للوضع تقوم على اعتبار أن الحدث الأبرز الذي شهدته الجزائر هو تلك الضربة القاضية التي وجهها أحمد ڨايد صالح للسلطة عندما قام بتحييد توفيق مدين وطرطاڨ وسعيد بوتفليقة وحلفائهم من العسكريين والمدنيين، وبعودة خالد نزار، والتوجه نحو إنهاء المتابعة ضد توفيق وطرطاڨ، والحديث جهرا عن عودة من يحسبون على هؤلاء إلى مراكز القرار، تنتهي صلاحية المقاربة القائمة على اختزال النظام في أشخاص، ويظهر أن الضربات التي وجهت للأشخاص كانت بلا أثر على النظام في سلوكه وطريقة عمله.
بقي أن نذكر أن المتظاهرين في الشوارع كانوا سباقين إلى مهاجمة نزار والمطالبة بمحاكمته، حينها لم يجرؤ أحد على القول بأن قوى خفية تتلاعب بهم، لكن هذه التهمة طالتهم عندما رفعوا شعارات ضد واسيني بوعزة الذي يقضي عقوبة بالسجن ثماني سنوات.
وحدها السلمية أثبتت أنها فوق الاصطفافات والتلاعبات والحسابات، ووحدهم أبناؤها أدركوا جوهر النظام فجعلوا تفكيكه هدفهم الذي لا يشوش عليه صراع العصب و الأشخاص.
https://www.facebook.com/nadjib.belhimer/posts/10221337618942122
التعليقات مغلقة.