« لعبة الكبار » !!؟

110

د. أكرم حجازي

قلنا في الحلقة الأولى من مسارات تدويل الثورة السورية أن بعثة المراقبة العربية إلى سوريا لم تكن لـ « التقصي» ولا لـ « الرصد» بقدر ما كانت فخا تم نصبه بإحكام لنقل الثورة السورية إلى ساحات الدبلوماسية الدولية تمهيدا لوضعها تحت المراقبة الدولية إنْ لم تكن الوصاية. وفي المحصلة ليس ثمة فارق يذكر بين « التعريب» و « التدويل» إلا بالارتفاع الجنوني في عدد الضحايا!!! فخلال شهر من عمل البعثة قتل ما يزيد عن ألف مواطن سوري من مختلف الفئات العمرية، وفي خضم مداولات مجلس الأمن حول المبادرة العربية؛ وبعد الفيتو المزدوج، للصين وروسيا (4/2/2012)، صار القتل اليومي بالمئات!!! فإذا كان البعض رأى أن الفيتو شجع النظام السوري على ارتكاب المجازر في حمص وغيرها من المدن فمن الذي شجعه على ارتكاب ذات المجازر خلال عمل البعثة؟ لا ريب أن الفاعل واحد!!! وبالتالي ما من حاجة إلى « التعريب» أو « التدويل»، ولا جدوى منهما طالما أن النتيجة متماثلة. والسؤال: هل « المركز» بريء من الفيتو الروسي – الصيني؟ أم شريك له؟ لنرى.

الفرائس

يدرك السوريون أنهم يواجهون وحوشا ضارية لا مفر من دفعها، لكنهم في المقابل يشعرون أنهم عاجزون عن صدها بمفردهم. ومن جهتها تدرك الشعوب العربية أيضا أن السوريين بحاجة للمساعدة، وتتحرق شوقا لتقديمها، لكنها في المقابل تشعر بالخزي والإحباط لعجزها عن تقديمها. وفي مثل هذه الأحوال، حيث يعجز أهل البلد عن الدفاع عن أنفسهم أو تلقي النصرة من إخوانهم في الملة، تجد مطالب « التدويل» صدى شعبيا لها، بعيدا عن المواقف الشرعية أو الحقائق السياسية والتاريخية. وبما أن وحشية النظام من النوع الذي لا تضبطه عقيدة أو أخلاق أو أية مبادئ إنسانية؛ فمن الطبيعي أن يغدو الدفاع عن النفس مقدما على أي اعتبار. لكن المشكلة ليست بعموم الناس الذين يتعلقون بأسباب النجاة والحياة بقدر ما هي في أصحاب المواقف السياسية الذين تتباين آراؤهم ما بين النقيض والنقيض، ويتدافعون على الثورة كما يتدافع الأكلة على القصعة.

والحق أن رموزا في المعارضة جهدت، منذ اللحظات الأولى، في العمل على إحالة الثورة السورية إلى المحافل العربية والدولية أملا في تخلص سريع من النظام. رغم أن النظام السوري حطم أبنية المعارضة في الداخل تحطيما كاملا، وشرد ما تبقى منها في الخارج، أو أغلق عليها أبواب السجون حتى « التعفن». ومع ذلك ثمة فرق بين دعوات الاستغاثة الشعبية، وهي تنطلق من وقائع الصراع الدموي مع النظام على الأرض، وتدفع ثمن وحشيته بما لا تطيقه النفس البشرية، وبين مطالب من يهوى التخلص من النظام بقطع النظر عن الثمن الأبهظ، المطلوب دفعه. ولو أمعنا النظر في بنية ما يطلق عليه، جدلا، معارضة سورية لتبين لنا مدى اليتم الذي تعاني منه الثورة السورية من بني جلدتها قبل غيرها. وهو ما يستفيد منه « المركز» والنظام على السواء، بأقصى ما يمكن. وهو أيضا ما ستستفيد منه القوى الجهادية لاحقا أو أية قوة أخرى يمكن أن تنجح في ملء الفراغ.

أما المتوفر من المعارضة، فهو مجرد أجزاء للوحة سياسية هلامية، لا هوية لها تذكر، ولا مذاق إلا أن تكون أشبه فعلا بطعم « طبيخ النَّوَرْ». فثمة جزء منها قدّم خدمة للنظام ما جعله يبدو أشد وطنية منه حين وقف موقف الضد من كبرى القضايا الإسلامية والوطنية والقومية غير آبه بأية عواقب ولا بحقيقة الثمن الذي سيقبضه. وثمة جزء آخر كان فيما مضى يثني على مواقف روسيا والصين فصار اليوم في الجهة المقابلة تماما، وهو يضع كل خطابه في سلة اللبرالية والعلمانية والرأسمالية وحتى الصهيونية. وجزء ثالث أعرب عن استعداده لدفع أي ثمن مقابل التخلص من النظام .. هكذا أي ثمن!! مشيرا إلى أنه ليس له أي موقف معادي من أحد!!! وجزء رابع بدا مهيئا للمصالحة مع النظام والحوار معه، وجزء خامس صنعه النظام واخترق به بعض رموز المعارضة. والأسوأ من الأول حتى الخامس هو الجزء السادس الكائن في الأجزاء الخمسة السابقة!!

هؤلاء وغيرهم لا تجمعهم رؤيا عقدية ولا أيديولوجية .. وهكذا تبدو مواقفهم لا أصل لها ولا فصل. لكنهم مجتمعون في أطر سياسية متنوعة وكثيرة، وذات مقاسات عجيبة، فكل واحد منها اشتمل على القومي والوطني واليساري والإسلامي واللبرالي والعلماني والرأسمالي والقبلي. بل يمكن أن نجد العضو الواحد فيها يجمع في ذهنه (كل) أو يعبر بسلوكه وسياساته وقناعاته (عن) مجمل هذه التباينات الفلسفية .. هكذا شكلوا ما يشبه « المجتمع الدولي» في أدنى انحطاطه .. وهكذا هي استحقاقات « الوحدة الوطنية» وإلا فلا!!!

بهذا المحتوى تغدو المعارضة مجرد « فرائس»، ويغدو تدويل الثورة السورية كارثة وطنية، بأتم معنى الكلمة. إذ أن غياب العنوان السياسي سيجعل من الثورة مشاعا يمكن لأية جهة كانت أن تتسلق عليه، صعودا وهبوطا، حتى من رموز المعارضة ذاتها. كما سيجعلها ضحية للنظام لأبعد مدى ممكن، والأسوأ أنه سيجعل من مطالب المعارضة للـ « المركز» أشبه بطلب « الوصاية الدولية»، ولكن من جهة لا يمكن لها أن توفر شرعية حتى للأوصياء، إذا ما احتاجوا في مرحلة ما إلى التدخل بأية صيغة من الصيغ. ولا ريب أن المراقبين للتصريحات الغربية قد لاحظوا مرارا وتكرارا مطالب « المركز» بالحاجة إلى توحيد المعارضة أو تقويتها.

الذئاب

لكن السؤال الأهم الذي طرحناه مرارا لأولئك الذين راهنوا على التدخل الدولي، وسعوا بكل جهد لاستجلابه: ما الذي يجبر « المركز» على التدخل لصالح الشعب السوري؟ وما الذي يمنعه؟ وما الذي يجعل روسيا والصين تتحملان حرجا فاضحا، وهما تجعلان من الفيتو في متناول نظام مجرم بدلا، على الأقل، من حفظ ماء الوجه والتظاهر بردعه!!!؟

الطريف في ردود الفعل الرسمية على الفيتو هي تلك التوصيفات التي عبر عنها قادة « المركز»، والتي تراوحت بين « المثير للاشمئزاز» و « الفظيع» و « المروع». والأطرف هو تعليق الرئيس الأمريكي في سياق خطابه السنوي عن حالة الاتحاد الأمريكي (25/1/2012) حين قال: « إن أيام النظام السوري باتت معدودة». وقد يبدو التصريح مشجعا لمن استأمنوا الذئاب على الغنم، خاصة وأنه يصدر عن رئيس أقوى دولة، كما أنه يتحدث عن « أيام» وليس « أسابيع» أو « شهور» أو « سنين»!!! لكن التصريح مرّ مرور السحاب، كغيره من عشرات التصريحات، وبقي النظام آمنا وقويا حتى الآن!!! فهل هو العجز؟ أم الاستهلاك والخداع؟

كثيرة هي التحليلات التي حاولت إيجاد تفسير مقنع لإحجام « المركز» عن التدخل رغم هول المجازر ووحشيتها، أو للفيتو المزدوج، ضد مشروع قرار عربي، جردته روسيا والصين من كل عناصر القوة، حتى إذا ما حانت لحظة الحقيقة، جاءت الصفعة على « الخدود» مدوية في أرجاء الأرض. كما أن « التسريبات» لا تقل أهمية في الوقوف على حقيقة الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن وهما يتصرفان بغطرسة فاضحة لا تماثلها إلا غطرسة الغرب، كلما ناقش مجلس الأمن أبسط وأوضح مشروع قرار يدين « إسرائيل»، وكأن قدر الأمة أن يتناوب على نهشها الذئاب أهل الشرق والغرب.

المهم أن بعض التحليلات تحدثت عن خشية روسيا من خسارة مصالح بمقدار 19 مليار$، وقاعدة بحرية، وآخر وجود لها في المنطقة، وبعضها الآخر تحدث عن اعتبارات انتخابية لبوتين، الرئيس المرتقب لروسيا، وبعض ثالث أشار إلى مشروع بوتين القادم، في سعيه لإحياء روسيا القيصرية، التي اشتهرت تاريخيا كدولة هجومية توسعية تحتاج إلى موطئ قدم هنا وهناك، لكن قلما تحدث أحد ما عن مبررات الفيتو الصيني .. وهو أمر يضع مثل هذه التبريرات موضع شك رغم صلاحيتها المؤقتة.

لكن في أعقاب الفيتو تداولت الكثير المواقع الإخبارية تسجيلا صوتيا نسبه البعض منها إلى القناة الثانية France2، فيما نسبه البعض الآخر إلى قناة France24 ، ويتعلق بملاسنة حذر فيها رئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم، المندوب الروسي في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، قائلاً: « أحذرك من اتخاذ أي فيتو بخصوص الأزمة في سوريا، فعلى روسيا أن توافق على القرار وإلا فإنها ستخسر كل الدول العربية»، وقيل أن تشوركين رد بكل هدوء أعصاب قائلا: « إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى، لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم». مضيفا: « أنت ضيف على مجلس الأمن فاحترم نفسك وعد لحجمك وأنا أساسا لا أتحدث معك أنا أتحدث باسم روسيا العظمى مع الكبار فقط ».

والحقيقة أن « التسريب» لا تدعمه أية جهة إعلامية ذات مصداقية، فضلا عن أن بعض التحليلات أشارت إلى مصادر سورية تقف وراءه. ونظرا لشيوعه على نطاق واسع، مخلفا وراءه اتصالات حثيثة تستفسر عن حقيقة الأمر، فقد اضطر المندوب الروسي إلى عقد مؤتمر صحفي نفى فيه صحة التسجيل والواقعة، واصفا ما جاء فيه بـ « المزاعم الخبيثة والاستفزازية». لكن ما ليس ببعيد عنه أن المندوب الروسي تحدث فعلا في مجلس الأمن بصيغة « روسيا العظمى» التي « تتحدث مع الكبار فقط »، وهو منطق أكدته صحيفة « الغارديان – 8/2/2012» بصيغة أخرى حين قالت: « أكد المسؤولون الروس سرا لقادة المعارضة أن النزاع مع الولايات المتحدة وليس معهم»!! وهو ما يعني أن التصعيد الغربي يأتي في سياق المواجهة مع روسيا والصين وليس انتصارا للثورات العربية .. مواجهة تجري، إلى حد ما، على وقع طموحات بوتين القيصرية، عبَّر عنها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلوا، في مؤتمر ميونخ للأمن (5/2/2012)، حين علق على الفيتو بالقول: « نريد أن ننهي الحرب الباردة في منطقتنا».

الأكيد أن مشكلة العرب في الثورات أبعد من « الحرب الباردة» .. وما تجنب أوغلو قوله هو أن مشكلة العرب ليست إلا نسخة طبق الأصل عن مشكلتهم في أواخر الحكم العثماني. إذ أن العرب يسعون إلى التخلص من استبداد اليوم بنفس الطريقة التي سعوا بها إلى التخلص مما اعتبروه بالأمس استبدادا عثمانيا!!! ففي كلتا الحالتين ثمة استعانة فاضحة بالقوى الأجنبية، وغير محسوبة عقديا ولا تاريخيا ولا موضوعيا!!! فهل يدرك الذين يراهنون على التدخل الدولي، ويسعون لاستجلابه بكل جهد، حجم الثورة السورية؟ ويتعظون من التاريخ؟ مثلما يدرك « المركز» مصالحه واحتياجاته؟ وهل يدركوا أن إضاعة الوقت تعني مزيدا من سفك الدماء دونما مبرر أو فائدة؟ل

« التدويل» في حالة الثورة السورية يعني الدخول مع الذئاب في « لعبة الكبار» حيث يكون الصغار طُعْماً أو وقودا لحرائق لن تنطفي إلا على بحور من الدماء. فالرأسمالية سوق بلا أخلاق، لا يهمه سوى الكسب، ولا يدخله إلا صاحب رأسمال قوي. أما الخسائر فهي من نصيب المتطفلين على السوق. ولا ريب أن « التدويل» سيجعل من الثورة السورية سلعة للتداول بين وسائل الإعلام والجمعيات الحقوقية والمنظمات الدولية والمزادات العلنية والسرية. فهل بعد ذلك ثمة غرابة في استعمال الفيتو؟ السؤال ببساطة: لماذا تعرضت الثورة السورية لهذه الوحشية الدولية؟ ولماذا يحجم الغرب عن التدخل؟

المفترسون

الثابت أن النظام الدولي الراهن بني، تاريخيا، على أنقاض العالم الإسلامي. فكانت البداية في احتلال أغلب دول العالم الإسلامي. تلاه هدم نظام الخلافة الإسلامية، بوصفه نظام سياسي جامع لشتات الأمة ولو في أضعف حالاته. ثم شرعت القوى العالمية بتفكيك البنى الجغرافية الكبرى والفاعلة في العالم العربي ( الجزيرة العربية ست دول)، وعبر مصر تم فصل مشرقه عن مغربه، وقسمت بلاد الشام إلى أربعة أجزاء. وتم تشتيت الأكراد على أربعة دول إقليمية كبرى دون منحهم أي كيان سياسي، وقسمت بلاد الترك إلى سبعة دول، والهند إلى دولتين ثم إلى ثلاثة، وتبعا لذلك جرى تخريب وحدة الكتل السكانية في العالم الإسلامي.

لكن كل هذا الدمار الذي لحق بالعالم الإسلامي لم يكن كافيا لتأمين سلامة النظام الدولي الجديد واستقراره. فتم زرع « إسرائيل»، في القلب منه، كقوة طوارئ ضاربة للـ « المركز». ومع ذلك ستظل نبتا هشا، ومعها النظام الجديد، ما لم يجر العمل على احتواء ردود الفعل المستقبلية، في منطقة بالغة الحيوية تاريخيا، وذات تأثير سياسي وعقدي وإنساني. لذا تم تصميم الأردن كمنطقة أمنية عازلة بين « إسرائيل» والعالم العربي، ومن ورائه العالم الإسلامي، ومن ثم الحجر الأساس للنظام الطائفي في سوريا، كأداة إقليمية مركزية، ليس لها من وظيفة إلا احتواء حركات التحرر العربية أو الإسلامية أو أي شكل من أشكال التمرد المحتملة. هكذا لم يعد غريبا أن يتجرع الفلسطينيون الاغتصاب كما تجرع السوريون القهر، جيلا بعد جيل، أو كما خضع العالم الإسلامي، والعربي منه على وجه الخصوص، لنظم الاستبداد المحلي لعقود طويلة من الزمن.

إذن؛ سوريا هي حجر الزاوية في منظومة التوازن الاستراتيجي للنظام الدولي برمته. وليس من العقل أن نتجاهل التاريخ والمصالح الدولية. فـ « المركز» لا تعنيه المبادئ ولا الأخلاق ولا القيم الإنسانية ولا حرية السوريين بالذات، ما لم يأمن على مصالحه ونظامه الدولي بالصيغة التي يرتضيها هو، وليس الشعب السوري أو غيره من الشعوب. وليس من العقل أيضا أن يغامر « المركز» في الدخول بتسويات غير مأمونة العواقب تجاه استقرار النظام، وهو الذي يجهد اليوم في تحصينه من مثل هذه الهزات التي باتت تهدد وجوده. هذه هي المعادلة التي تحكم التدخل الدولي. لذا ليس من المبالغة القول بأن النظام الدولي مصاب اليوم بكابوس الحراك الشعبي الذي ظهر، على حين غرّة، فاعلا استراتيجيا هائلا، خرج من عقود الترويض والاستغفال، كي يهاجم النظم ليس بوصفها ديكتاتورية أو ديمقراطية بل بوصفها تعبير عن علاقات سلطة هيمنت اقتصاديا وثقافيا وأمنيا وعسكريا على نمط الحياة الإنساني.

أما فيما يتعلق بصراع الغرب مع إيران فينبغي التأكيد على أنه ما من سمة عقدية تذكر في هذا الصراع. فمن جهتها تسعى إيران إلى بعث حضارتها الفارسية. وهذا الهدف لم يعد من ضرورات التقية التي يعتمدها المذهب الجعفري الإثنى عشري. فالخطط والصحف الإيرانية والنشريات والتصريحات والأدوات الضاربة في عدة دول فضلا عن علانية الحراك الشيعي في العالم الإسلامي صارت علامات لمن ضلّ السبيل. وهي مؤشرات على أن صراع إيران مع الغرب هو صراع على النفوذ السياسي في المنطقة وليس على السيادة كما هو الحال مع العالم العربي. وبالتالي يمكن للغرب أن يتعايش معه ويتفهمه بل ويتبادل معه المصالح المشتركة.

لكن المشكلة ليست بين إيران والغرب بقدر ما هي بين اليهود والغرب. فاليهود الذين يشعرون أن دورهم بدأ يضعف مع انتفاء الحاجة إليه صاروا يتجادلون في مصير « إسرائيل» على الهواء، ويحثون الخطى نحو الدخول في مرحلة الغيتو التي تمثل آخر مراحل الوجود السياسي لهم. وهي مرحلة يشتد فيها الخوف والحاجة إلى التحصن. ومن يتابع السنتين الماضيتين فقط سيدهش من إصرارهم على اعتراف الفلسطينيين لهم بيهودية الدولة، أو من سلسلة القوانين العنصرية الرهيبة التي يجري سنها، أو من التضييق الشديد لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة عن بلادهم!!! لذا فهم الذين يحرضون على ضرب إيران، المنافسة لهم، قبل أن يدخل برنامجها النووي طور الحصانة. وهم الذين يدفعون الغرب لفرض المزيد من العقوبات على إيران، مستفيدين مما يعانيه « المركز» وحلفاؤه من أزمات مالية واقتصادية طاحنة. وفي هذا السياق فإن كل ما تتعرض له إيران من ضعف أو توترات اجتماعية أو حتى ثورة سيصب بالضرورة في صالح « إسرائيل»، ويحافظ لها على مكانتها في عقل وقلب « المركز». وفي المحصلة فإن علاقات التنافس بين « إسرائيل» وإيران هي، في الوقت الحالي، علاقات صراع خطرة على كليهما.

بالأمس، وفي ظل الحرب الباردة، كانت روسيا والصين تدافعان عن القضايا العربية في المحافل الدولية!! وكانت أمريكا وبريطانيا وأوروبا الأشد عداء لها!!! واليوم انقلب المشهد تماما!! وصار البعض يرى في الموقف الأمركي متقدما، ومدافعا عن الشعوب!!! وهو مشهد يذكرنا بنظرة العرب للرئيس العراقي السابق صدام حسين حين كان حارس البوابة الشرقية، قبل أن يصير خطرا يهدد النظام الدولي، وتغدو إيران صديقة وحتى حليفة !!! هذا التقلب في المواقف ما كان له أن يمر لولا أنه صيغ بمقتضى المصالح وليس العقائد، وإلا ما كان لإيران أن تخترق العالم السني وتهدد برّه ولا استطاع نظام طائفي أن يستمر كل هذا الوقت، ولا صارت ديار المسلمين نهبا لكل أفاك أثيم.

خلاصة الأمر أن « المفترسون» استعملوا الفيتو ضد الأمة كلها وليس ضد الثورة السورية فحسب، أما لماذا؟ فلأن روسيا والصين تمثلان اليوم خط الدفاع الأول عن النظام الدولي الراهن، والذي يسعى بكل جهده إلى محاصرة الثورات العربية للحيلولة دون تمددها غربا، ولكي تبدو التكلفة باهظة جدا، وبلا سند، لمن يفكر من الشعوب في اعتمادها سبيلا للتحرر أو الخروج على « المركز». لذا فهما تتصرفان كأدوات بنيوية لعلاقات هيمنة، يقودها دهاة الغرب، المرعوب من أخطر انفلات محتمل في صيغ النظام الدولي القائم، والذي يمثل وجوده واستقراره قاسما مشتركا مع « المركز»!!!! والعجيب في« لعبة الكبار» أن الغرب وقادته ومثقفيه، ومعهم إيران، لا يتحرجون من هذه الحقيقة بقدر ما يثيرهم سهولة خداع العرب وانقيادهم.

http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-336.htm

التعليقات مغلقة.