محمد البعلي : مخاوف الثورة المضادة في مصر
يتصاعد الحديث في مصر وسط الشباب المهتم باستكمال مسيرة ثورة 25 يناير حول مخططات للثورة المضادة وسط سيناريوهات متداولة بعضها يبدو منطقيا للغاية، ولكنها في الحقيقة تفتقد على الأغلب للتناسق الفكري، فهي تضم مجموعة من الأحداث الغير مرتبطة لتحاول بذلك أن تثير الفزع من انهيار الثورة لتكون هذه السيناريوهات نفسها جزءا من الحملة الدعائية لجيش “الثورة المضادة”.
ولكن أولا ما هو معنى “الثورة المضادة”، فإذا فهمنا معنى هذا المصطلح سنكون أكثر قدرة على تحديد الأفعال التي تشكل جزءا منه والأفعال التي تكون بريئة منه.
الثورة المضادة هي محاولة من أنصار النظام القديم لاستعادة النظام القديم بقواعد عمله بالأساس أهم من أشخاصه، ويعني ذلك في مصر عودة سطوة المؤسسة الأمنية واستمرار مناخ الفساد المالي والإداري في كافة المؤسسات ضمن عملية تحميها وتستفيد منها المؤسسات الأمنية.
تتميز الثورة المضادة بالعنف الشديد ضد الشعب بصورة عامة والثوار بصورة خاصة، وفي أهم تجارب الثورات المضادة التي نجحت في هزيمة الثورة كان الجيش هو الذي يقوم بها، مثلما حصل في دولة تشيلي بأميركا الجنوبية في سبعينات القرن العشرين، أو الجيش بالتعاون مع المرتزقة الأجانب، مثلما حدث في اسبانيا عام 1936، حيث استعان الجنرال فرانكو بالمرتزقة المغاربة للقضاء على الثورة التي كانت تسعى لتحويل اسبانيا من دولة ملكية استبدادية إلى جمهورية ديمقراطية ( ومثلما يستخدم القذافي المرتزقة الأفارقة حاليا لذبح الثوار في ليبيا)، وتتميز الثورة المضادة بالوضوح الشديد في عدائها للتغيير، فهي لا تميل إلى الخداع في هذه المسألة، لأن ذلك يجعلها عرضة لانقلاب المخدوعين عليها في أي وقت، وهي بحاجة إلى جنود يتمتعون بالقسوة والشراسة (مثل البلطجية) ليس أقل من ذلك، لذلك تفضل الثورة المضادة جنودا يعملون لمن يدفع أكثر أو يقدسون السمع والطاعة، وليس جنودا يتم تجنيدهم بالإقناع.
ولم يحدث من قبل في التاريخ أن قامت ثورة مضادة على الخداع بدون عنف، ولكن حدث أن نجح خداع الفئات الحاكمة في تقليص مكاسب الثورة وقصرها على بعض مطالبها دون كلها، فمثلا في ثورة 25 يناير كان أحد الشعارات الهامة “تغيير ..حرية .. عدالة اجتماعية” وتحاول الفئات الحاكمة في مصر أن تلتف على الشعارين الثاني والثالث باستخدام الشعار الأول.
تسعى الثورة المضادة كذلك إلى إثارة الفزع من الثورة نفسها، بأن تقول أنها ستؤدي إلى غلاء الأسعار أو انعدام الأمن أو خلو المتاجر والأسواق من السلع، وتهدف من ذلك إلى أبقاء المواطنين في بيوتهم ومنعهم من الانضمام للثوار.
تركز “الثورة المضادة” عادة على ضرورة هزيمة أي عمل جماعي يواجه الفساد والقهر وسوء توزيع الثروة، لا ننسى بالطبع أنها تسعى لإعادة الأوضاع السابقة على الثورة والتي تتميز بانتشار الفساد والفقر والقهر، وبالتالي تعمل الثورة المضادة دائما على مواجهة أي عمليات احتجاجية وتعادي بشكل خاص إضرابات العمال لأنها تهدد “الاستقرار” و”النمو الاقتصادي”، دون أن توضح أن النمو الاقتصادي في حد ذاته لا يضمن أن يتم توزيع عائدات النمو بشكل عادل بين أفراد وقطاعات المجتمع.
بالعودة إلى الوضع في مصر الآن ماذا نرى.. توجد في مصر بالفعل ما يمكن تسميتها بقوى الثورة المضادة ولكنهم في حالة نشاط محدود بسبب هزيمتهم الكبيرة أمام قوى الثورة.
تعمل قوى الثورة المضادة باستخدام أسلحتها الأضعف -وهي الإعلام والشائعات- على إعادة الشرطة بدون محاسبة الفاسدين والقتلة وكل من تعدى على الشعب بالتعذيب والعنف أو اعتاد أخذ الرشاوى سواء أثناء الثورة أو قبلها، تريد قوى الثورة المضادة استعادة مكانتهم وقتهم عبر الترويج لمقولة “عفا الله عما سلف” وبدون إعادة هيكلة لوزارة الداخلية بما يضمن إلغاء مباحث أمن الدولة وإلغاء الأمن المركزي ووضع وزير مدني على قمة هرم الشرطة.
عودة الشرطة بدون محاسبة سيكون هو الانطلاقة الحقيقة للثورة المضادة لأنه سيضع تحت يد هذه القوى رجال مدربون على القتل؛ شرسون، ولا يحملون أي ضمائر تقريبا، ويسعون لاستعادة النظام القديم.
تعمل قوى الثورة المضادة كذلك على الترويج لضرورة العودة للإنتاج وعودة الحياة لطبيعتها باعتبار أن هناك “قوة خفية” أو “رئيس عادل” سيأتي ويقوم بتحقيق مطالب الثورة، وهنا ثاني نقاط الخطر، فجوهر الثورة هو العمل الجماعي من اجل استعادة الحقوق وفي مواجهة القهر والظلم والفساد، وكان هذا جوهر اعتصام التحرير والمظاهرات المليونية، والغريب أنه جوهر الإضرابات العمالية و”الاحتجاجات الفئوية”، لماذا أقول الغريب، لان بعض الصحفيين وكتاب قصص ما قبل النوم يروجون لأن هذه الإضرابات تعد جزءا من سيناريو الثورة المضادة.
والحقيقة عكس ذلك، فالحقيقة أن نظام “مبارك” ترك لنا “مبارك صغير” في كل مؤسسة أو شركة ينشر الفساد ويقيم دعائمه ويسرق المؤسسات أو يسهل سرقتها لأعوانه، وعندما حققت الثورة أول نصر كبير لها بتنحي مبارك تشجعت القطاعات التي جبنت وتقاعست عن المشاركة في الثورة لتحاول الآن تعويض ما فاتها بعمل ثورات صغيرة تطالب فيها بنفس مطالبنا، فهي تحارب الفساد وتطالب بالعدالة الاجتماعية (على طريقتها طبعا) وسأضرب مثالا من قطاع البنوك.
ثار موظفو كل بنك على حدة مطالبين بتغيير القيادات التي يرتبط أغلبها بلجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم سابقا أي بجمال مبارك وأحمد عز تحديدا، كما طالبوا بجعل الأجور أكثر عدالة عبر رفع أجور الموظفين الصغار ووضع حد أقصى للأجور، فماذا كان رد فعل فاروق العقدة محافظ البنك المركزي الذي عينه مبارك، قام العقدة بإغلاق البنوك -وهو إجراء تخريبي لو تم في أي دولة بدون قرار سيادي لتعرض من قام به للمحاكمة- وأكد أنه مستعد للتفاوض على كل الأمور إلا رحيل القيادات -ألا يذكركم هذا بتصريحات سليمان قبل تنحي مبارك- وبالفعل بدأت المفاوضات ومازالت هذه القيادات في مكانها، ولما أثار هذا الموقف استغرابي، وبحثت خلفه اكتشفت أن العقدة نفسه كان متورطا في قضية فساد كبرى هي قضية “كابيكس كورب” كان بطلها المصرفي المعروف “جمال محرم”ومن تورط في قضية فساد ونجا وارتفع شأنه بعدها، ماذا تتوقعون منه غير المزيد من الفساد وحماية القيادات الفاسدة، موقف كهذا نعرف منه ببساطة من هو في صف الثورة ومن هو في صف الثورة المضادة.
يجب أن نعي أن قوى الثورة المضادة الممثلة في رجال الأعمال ورؤساء الشركات والمؤسسات الحكومية الفاسدين وضباط الشرطة المتورطين في الفساد والقمع في حالة هزيمة الآن، وليس أمامهم إلا التخفي واستخدام دعاوى الاستقرار، والعفو عند المقدرة، وعودة الإنتاج لحين استعادة قوتهم ليبدأوا حربا علينا ليعيدوا النظام القديم، وستكون هذه هي الثورة المضادة فعلا.
ولكي نستطيع هزيمة قوى الثورة المضادة نهائيا قبل أن يستجمعوا قوتهم يجب أن نعمل على الآتي:
الإطاحة بكل مسئول فاسد ومحاسبته، بكل الوسائل وأهمها الضغط من خلال الإضرابات والاعتصامات
الدعوة لتجميد أرصدة كل رجل أعمال فاسد أو من أعوان نظام مبارك لحين معرفة مصدر هذه الأموال
الدعوة لتشكيل لجنة تبحث شكاوي كافة المواطنين عن أي تجاوزات للشرطة خلال العوام الثلاثين السابقة وتحيل المسئولين عنها للمحاكمة، خاصة أن التعذيب لا يسقط بالتقادم بحسب القانون المصري، وذلك مع حل مباحث امن الدولة والأمن المركزي وإعادة هيكلة الشرطة
إذا نجحنا في الخطوات التالية سنكون قد نجحنا في محاصرة قوى الثورة المضادة ومنعها من الانقضاض على نجاحات ثورة 25 يناير.
http://elbadil.com
التعليقات مغلقة.