الثورة المضادة في مصر.. مبرر أم حقيقة؟

91

القاهرة – وكالة الصحافة العربية:

بات مصطلح «الثورة المضادة» – الذي أطلقه الكاتب محمد حسنين هيكل – في مصر، كأنه مبرر تعلق عليه الحكومة والمجلس العسكري، أي حادث لا نجد له تفسيراً أو لا نعرف من يقف وراءه.. ويبدو أن هذا ما حدث خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها القاهرة واصطلح عليها اعلاميا بـ«أحداث ماسبيرو»، وكان أول رد فعل أن اشار البعض بأصابع الاتهام للحزب الوطني ورموز النظام السابق للرئيس مبارك، وكذا عناصر مندسة.. فما حقيقة الثورة المضادة؟ وهل يوجد في التاريخ ما يسمى الثورات المضادة؟.. أسئلة كثيرة يفرضها الواقع الحالي.
وفي هذا السياق، رفض عدد من الحقوقيين وجود «مؤامرة» أو ما يسمى «الثورة المضادة».. مؤكدين أننا لا ينبغي أن نتعامل مع أي موقف يحدث على أنه عملية مدبرة أو أنه ثورة مضادة تحاول أن تجهض الثورة الشعبية العظيمة التي تحدث عنها العالم بأسره.
فيما أكد آخرون أن كل ما يحدث من انفلات وأعمال تخريبية خلال الأيام السابقة هو «ثورة مضادة» وأن ما حدث – مؤخرا – أمام «ماسبيرو» هو أيضاً ثورة؛ لذلك فعلى الإعلام أن يلفت نظر المواطن إلى ما يحدث لتوعيته ومن ثم الحفاظ على ثورة الشباب من الضياع.
الناشط الحقوقي «حافظ أبوسعدة» رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، قال إن كل ما حدث في الفترة الأخيرة من افعال مشينة، وما يحدث من اعمال تخريب هو «ثورة مضادة» لا يمكن لأحد إنكارها، خاصة بعد ما شاهدناه خلال أحداث «ماسبيرو»، وغالباً ما يكون مصدر هذه الثورة هم رموز النظام السابق أو المستفيدون منه؛ ممن يسعون إلى إجهاض الثورة وإقناع المواطن بأن النظام السابق كان أفضل لصالحه ولأمن بلاده، وأن الثورة جاءت بالخراب والدمار للوطن حتى يحن المواطن للنظام السابق، كما يقوم هؤلاء أيضاً بتحريض العمال على الاضطرابات لمزيد من الفوضى.
وأضاف: إن البعض من الجهلاء ممن ينتمون إلى النظام السابق، يصرون على أن ما حدث في أستاد القاهرة أمر طبيعي، وأن هذه هي أخلاق المصريين لأنهم شعب غير متحضر وغير قادر على ممارسة الديمقراطية بشكل واع، وهذا كلام غير صحيح، لأن هذا الشعب هو الذي اذهل العالم كله عندما قام بثورة بيضاء وقام بتنظيف الشوارع وطلاء الأرصفة بعدما تحقق له ما اراد، ولكن للأسف البعض ممن يريدون نشر الفساد يحاولون القيام بمثل هذه الأفعال لتشويه صورة المواطن المصري.
وأكد أبوسعدة أن الثورة المضادة ليست «مبررًا» كما يدعي البعض، وأن الاعلام عليه دور كبير في توضيح ذلك للجمهور حتى يفهم من هم المسئولون عما يحدث من حوله.. وما هي أهداف الثورة المضادة، وكيف نحاربها حفاظاً على ثورة يناير.. كما ينبغي أيضاً تقوية المؤسسات الدستورية في الدولة حتى نستطيع محاسبة الخارجين على القانون.
وطالب بضرورة الإسراع في محاكمة القائمين على هذه الثورة المضادة، بدلا من إنكارها. فليس من المصادفة أن تحدث حرائق متكررة في وزارة الداخلية وبعض المؤسسات الأخرى في محاولة للتخلص من أدلة وملفات المؤسسات تثبت حالات من التعدي على المواطن المصري وتدين العديد من فلول النظام السابق.
تساؤلات
في المقابل، يقول نجاد البرعي أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: لا يوجد شيء اسمه الثورة المضادة، ولكن يبدو أنه مصطلح أرادت الحكومة الحالية أن تعلق عليه إخفاقاتها.. متسائلا: ما هي علامات هذه الثورة؟ ومن الذي يقوم بها؟ وما هي دلالاتها؟ وهل هي التي قالت للشرطة أن تغلق أعينها عما حدث خلال الأيام السابقة؟ فبدلا من استخدام هذا المصطلح الهلامي علينا أن نلتفت إلى أخطائنا ونحاسب المتسببين فيها، وكان ينبغي لوزير الداخلية أن يقدم استقالته بعدما حدث في ماسبيرو، ولكنه للأسف لم يفعلها وبدلا من محاسبته جلسنا نردد أن ما حدث ثورة مضادة.
وأضاف برعي أن وزارة د. عصام شرف هي أضعف وزارة جاءت للحكومة المصرية فهي لا تملك أي خطة وليست لديها أي خبرة ولا إمكانات ومن هنا، معتقداً أن وزارة شرف هي الثورة المضادة الحقيقية إذا اردنا أن نقول إن هناك ثورة مضادة.. مشيرا إلى أننا نعاني منذ سنوات عديدة انتهاك القانون ولم نستخدم يوما هذا المصطلح الغريب، لذلك فإن أردنا بالفعل ان نحافظ على هذا البلد ومستقبله فعلينا أن نفعل دولة القانون ونحارب الفساد وانتهاك القانون ونحاسب من يقوم بذلك أيا كان وضعه أو منصبه وعلينا أيضاً أن نقيل الوزارة الحالية التي تعاني ترهلا شديدا، فإن كل وزير في هذه الوزارة لا يعرف ماذا يفعل ولا كيف ومتى يتصرف في الوقت الذي نحتاج فيه إلى نماذج واعية أكثر فاعلية.
ثورة غير مكتملة
ويضيف أيمن عقيل مدير مركز «ماعت» لحقوق الإنسان، انه لا يؤمن بوجود هذه الثورة ولم يسمع هذا المصطلح على مدار التاريخ بعد حدوث أي من الثورات ولا يمكن أن نبرر أي حادث لم نتمكن من معرفة المرتكب الحقيقي له بأنه ثورة مضادة، خاصة بعد أن قامت ثورة يناير بتطهير البلد من الفساد ومحاكمة الوزراء الذين نهبوا أموال الشعب مما يؤكد عدم وجود ثورة مضادة.
ويقول: لا يمكن أن نجني ثمار الثورة في يوم وليلة، لأن الثورة لم تكتمل بعد على الرغم مما حققته من نتائج لم نكن نتوقعها ولكن أي ثورة في العالم تقضي على نظام فاسد لتبني آخر جديداً، ولكنا حتى الآن لم نستكمل ذلك، ومن هنا فعلينا أن نكف عن الإسهاب في استخدام هذا المصطلح الفاقد المعنى كلما اخفقنا في تحقيق شيء لتكون الثورة المضادة هي مشجب اخطائنا بعد الثورة، فلا يمكن أن ننكر أن ما حققه الشباب تجاوز ما كنا نريده خلال فترة قصيرة جدا بعد انتهاء الثورة، ولكن علينا أن نتوقف قليلاً لنستوعب تلك الأمور ونستكمل المسيرة بدلا من زرع الخوف في نفوس المصريين تحت مسمى «الثورة المضادة»، التي تطيح بأي إنجاز للثورة الحقيقية.
فيما يقول محمد محيي رئيس جمعية التنمية الإسلامية إن هناك بالفعل من يقومون بثورة مضادة في محاولة منهم لإفشال ما قامت به ثورة يناير، كما يحاول بعض الانتهازيين القفز على مغانم الثورة واستغلالها لصالحهم. وهذا أمر طبيعي يعقب حدوث أي ثورة حقيقية، ولكن ليس كل تقصير أو فوضى يعد ثورة مضادة خاصة أن هناك حالات كثيرة قبل حدوث الثورة كنا نعاني فيها الفوضى والاهمال ولم تكن بكل المقاييس ثورة مضادة.. فعلينا أن نبحث عن المتسبب الحقيقي وراء أي إهمال لنتمكن من محاسبته، كما يجب الاعتراف بأن هناك خللاً واضحاً في المنظومة بأكملها حتى لا يتم إيجاد المشجب الذي تعلق عليه الأخطاء التي تحدث في حقنا جميعا وفي حق الوطن.
وأضاف: ان المسمى لا يعني أحدا، ولكن نتيجة التحقيقات ومحاسبة كل مقصر هو الذي يعني الجميع؛ لذلك فعلينا جميعاً أن نستعيد أهداف الثورة ونقوم بدعمها بدلا من الانشغال بالقضاء على الثورة المضادة التي ليست بالطبع هي المسئولة عن كل السلبيات التي تحدث.. فنحن الآن مقبلون على إعداد قوانين مكملة وانتخابات برلمانية ورئاسية علينا أن نستعد لها بدلا من إهدار طاقتنا على ما يسمى الثورة المضادة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12297/article/474621.html

التعليقات مغلقة.