الجزائر بين ريح التّدمير وحريق التّغيير
إنّ مايمتلكه الفرد مِن أمانة وشعور بالمسؤولية لهو الحدّ الفاصل مهما كان القانون عادل،لذلك كان لزاما على كلّ فرد جزائري أن لايُعلّق كلّ أخطائه وإخفاقاته على شمّاعة الحكومة،فإذا أردنا الإئتلاف دون إختلاف والإقتسام دون إنقسام فرأس الحكمة” لكم دينكم ولي ديني”
فتاريخنا الإسلامي حافل بقصص المدينة الفاضلة “حُلم أفلاطون ومعجزة المسلمون” فممّا يسجّله التّاريخ بحبر مِن ذهب ماقاله عمربن الخطّاب حين استفسر منه الخليفة أبو بكر الصدّيق رضي الله عنهما عن سبب رغبته في ترك ولاية القضاء فقال:”لقد ولّيتني الأمر بين أناس كلّ واحد عَرف منهم الحق الذي له فلم يأخذ أكثر منه،والواجب الذي عليه فأدّاه”
كما أنّ إتّحاد الرّؤى السّياسيّة كحزمة ضوء واحدة لإنتشال الجزائر من غياهب المكر والدّسائس هو مِن أولويات الواجب الوطني،غيرأنّ أكثر مايحبس أنفاس الفكر في الجزائر هو إستراق السّمع الذي يجعل كل طرف يتقاذف ألسنة مِن اللّهب ضد الطّرف الآخر،وكأنّ نظريّة العنف المطلوب هي قدَرُنا في الجزائر.فرغم عِلمنا ببذور الفساد في البلاد إلاّ أنّه لاينبغي الإلتفات إلى الوراء إلاّ لأخذ العبرة وليس للأسف والحسرة ،لأنّ “لو” هي لعبة حزب الشيطان لخراب الأوطان.
ثمّ إنّه ينبغي أن تكون نظرتنا للدّولة الجزائرية أكثر عمقا باستقصاء جوهر الأشياء إذا أردنا تفعيل النّهضة والبناء، فلابأس أن تكون الجزائر كنبات الصّبار كلّه أشواك ولكنّ أصله من الأزهار،فالنّظام ليس هو الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة بل هو مجموع من المؤسّسات الكثيرة والمتشعّبة،ولذلك فما شهدناه من إسقاط رؤوس السّلطة في دول الربيع العربي وتغييرها هو مجرّد استبدال أفعى لجلدها.
فحتّى نُجنّب الجزائر ماوقعت فيه تلك الشّعوب العربيّة ينبغي الحرص على الإصلاحات الجذريّة ،فتكون مصلحة الجزائر على رأس كل المصالح وقبل كلّ المطامِح، من خلال حريّة الإعلام وتعديل الدّستور بما يؤسّس لوحدة وطنية حقيقيّة ،وإذا لزم الأمر فلا ضَير مِن إنتخابات تسبق الموعد تفاديا لما قد يقع مِن تصادمات هي أقرب ماتكون للنّعرات القبليّة فتوقعنا في حروب أهلية،ثم إنّه ينبغي أن ندرك أن لا إمكانيّة للقضاء على أي نظام حكم مهما كان جائر بإشعال ثورات غايتها الوحيدة هي الإستشهاد،فالعيش في سبيل الله خير من الموت في سبيله ،كما أنّه ليس من الحتميّة جعل النّظام كلّه هياكل فتـــِـيّة لأنّ الحنكة يمتلكها أكثر مَن بلغوا من العمر عِتيّا،غير أنّه يتوجّب أن نكون بالفعل أمّة وسطا فنجمع بين حنكة الكبار وحماسة الصّغار،فهذا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه وهو خليفة خلق الله عليه الصّلاة والسّلام إستأذن من القائد أسامة بن زيد بن الحارثة وكان عمره سبعة عشر عاما في أن يستعين بعمر بن الخطاب على شؤون المسلمين.
فخدمة البلاد تستوجب نبذ أي نوع مِن الفُـرقة باختلاف المسمّيات مِن يمين ويساروسلفيّة وعلمانيّة وغيرها من الإبداعات الفكريّة الغربية التي غايتها الوحيدة الشّتات وإحداث البلبلات والهزّات في البلاد الإسلاميّة.
فعلينا فتح الآفاق الضيّقة لنرى الحقيقة برأي صائب من فكر ثاقب بعيد عن الإمّعة والسّطحيّة ونظرة الشّموليّة التي تسحق كل ماهو جميل وتجعل من السّلام مطلبا مستحيل.
التعليقات مغلقة.