السيطرة على الجمهور تبدأ بمعرفته: 5 كتب حاولت فهم الجمهور وسيطرة الإعلام عليه
كلما كان الوضع النفسي للجماهير غير مستقر ومضطرب، كلما ازداد تأثير الدعاية وعجز رجل الشارع العادي عن التميز بين الحقيقة والإشاعة. * هارولد لازويل
كانت الحرب العالمية الأولى بمثابة الإضاءة المركزة التي لفتت نظر العالم إلى عدد من الحقائق الهامة إلى جانب الحقائق العسكرية والأطماع الاستراتيجية. فحقيقة أن استحالة وجود حروب تقودها الجيوش بمعزل عن الجماهير ربما تأتي على قائمة هذه الحقائق؛ ومن هذا المنطلق نشأت ضرورة زج جميع طاقات الأمة وثرواتها وإمكاناتها في المعركة، غير أن ذلك واجه إحدى مشكلات الثورة الصناعية الكبرى في أوروبا، والتي أدى فيها تقسيم العمل إلى لاتجانسية المجتمع وتعميق فرديته وعزلة أفراده ليبدو خاليًا من روابط المجتمع التقليدي ولهذا كان الطريق للبحث عن وسيلة لإعادة دمج المجتمع مرة أخرى وشحذه على قلب رجل واحد. ومن هنا ظهرت وسائل الإعلام كالقوة البديلة القادرة على السيطرة على الجمهور.
وبذلك ظهرت الدعاية كعلم مستقل به الكثير من النظريات والتحليلات التي تحاول معرفة كيف يمكن فهم الجمهور حتى نتمكن من الدخول إلى عقله، أو بطريقة ما كيف يمكن تحقيق تلك المقولة المنسوبة لأحد القادة الألمان في الحرب العالمية الثانية:
إننا نستهلك الكثير من القنابل لندمر بها مدفعًا واحدًا في يد جندي، أليس الأرخص من ذلك أن توجد وسيلة تسبب اضطراب الأصابع التي تضغط على زناد ذلك المدفع في يدي الجندي؟
ولذلك سوف نستعرض 5 من أهم الكتب التي تركت أثرًا كبيرًا على القائمين على تلك العملية.
1– المتلاعبون بالعقول
تضليل الجماهير لا يمثل أول أداة يتبناها النخب الحاكمة من أجل الحفاظ على السيطرة الاجتماعية، فالحكام لا يلجأون إلى التضليل الإعلامي إلا عندما يبدأ الشعب في الظهور كإرادة اجتماعية في مسار العملية التاريخية. أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل بالمعنى الدقيق للكلمة، بل يجد بالأحرى قمعًا شاملًا إذ لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين عندما يكونون غارقين لآذانهم في بؤس الواقع.
هربرت شيللر يناقش من خلال هذا الكتاب الذي صدر 1973 أساطير التضليل الإعلامي الخمسة في الولايات المتحدة الأمريكية، مقدمًا بذلك النموذج الأمريكي كنموذج للمحاولة على فرض نفسه على ثقافات العالم، كما يسعى المؤلف إلى طرح عدد من الأسئلة أهمها عن كيف يجذب محركو الدمى الكبار في السياسة والإعلان ووسائل الاتصال الجماهيري خيوط الرأي العام؟!
كما يطرح الكاتب عددًا من المصطلحات الهامة مثل الوعي المعلب والنماذج الجاهزة التي يتم تقديمها للجمهور في صورة توعية، وما هي في الحقيقة إلا محاولة للتضليل، كذا ما يتم فعله تحت باب الترفيه والتسلية والذي يؤدي بشكل أو بآخر إلى ترسيخ بعض المفاهيم والحفاظ على الأوضاع الراهنة.
2- سيكولوجية الجماهير
كما أن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسي أو الطبيب الذي يجعل شخصًا ما يغطس في النوم فإن روح الجماهير تخضع لتحريضات وإيعازات أحد المحركين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها. وفي مثل هذه الحالة من الارتعاد والذعر فإن كل شخص منخرط في الجمهور يبتدئ بتنفيذ الأعمال الاستثنائية التي ما كان مستعًدا إطلاقًا لتنفيذها لو كان في حالته الفردية الواعية والمتعقلة. فالقائد الزعيم إذ يستخدم الصور الموحية والشعارات البهيجة بدلًا من الأفكار المنطقية والواقعية يستملك روح الجماهير ويسيطر عليها.
ربما هو الكتاب الأشهر والأقوى تأثيرًا نظرًا لانتشاره وأسبقيته في مجال فهم الجمهور وسماته النفسية، كما كان أحد المصادر الهامة التي اعتمدت عليها النازية إبان الحرب العالمية لترويج أفكارها، ففي خلال هذا الكتاب يستعرض غوستاف لوبون أهم سمات وخصائص الجمهور العاطفية والعقلانية، ولماذا لا يمكننا التعامل معه باعتباره مجموعة من الأفراد، فالجماعة لها إدارك وسلوك متباين تمامًا يجعل من السيطرة عليها تتخذ مسارًا مختلفًا.
كما يعرض الكاتب آراء الجماهير وكيف يتم تشكيلها، كذلك ما هي وسائل الإقناع التي يمكن من خلالها تحريك الجمهور والتحكم به، وكيف تحولت الإيديولوجيا إلى دين جديد يدافع عنه الجمهور بأرواحهم.
فيرى «غوستاف لوبون» أن الجماهير لا تعرف إلا العواطف البسيطة والمتطرفة، فإن الآراء والأفكار والعقائد التي يحرضونها عليها تُقبل من قبلها أو ترفض دفعة واحدة، فإما أن تعتبرها كحقائق مطلقة، وإما كأخطاء مطلقة.
3- وسائل الإعلام: الإله الثاني
الدعاية الذكية لن تحقق أي نجاح ما لم تعتمد على تكنيك هام؛ أن تحدد نقط معينة وتكررها كثيرًا. *جوبلز، وزير الدعاية السياسية في حكم هتلر
يستعرض توني شوارتز من خلال هذا الكتاب الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام للتأثير على نفسية الجمهور وإدراكهم للمعلومات، وتبنيهم للأفكار والمعلومات الجديدة مستطردًا في سبيل ذلك دور الإعلانات التي يتعرض لها الجمهور بشكل مستمر، وقدرتها على خلق رغبات واحتياجات وهمية، مستهلًا كتابه بفصل عن عصر الاستقبال الذي تحول فيه الجمهور من جديد إلى متلقٍ سلبي في أحيان كثيرة.
وقد استعرض الكاتب من خلال عدد من فصول الكتاب نقاط هامة تدور حول الاستخدامات الاجتماعية لوسائل الإعلام والدور الذي تلعبه هذه الوسائل في وضع قواعد جديدة للغة المستخدمة، إلى جانب تأثير عرض الأخبار على الشاشات والصحف على نفسية الجمهور وإدراكه وحكمه، خاتمًا كتابه بتنبأ لشكل وسائل الإعلام في عام 2000، مع العلم أن هذا الكتاب قد صدر في عام 1981.
4- السيطرة على الإعلام: تشوميسكي
الدعاية في النظام الديموقراطي هي بمثابة الهراوات في الدولة الشمولية، ومرة أخرى لا تنسى أن المصالح العامة تضلل القطيع الحائر الذي ليس بإمكانه فهم تلك المصالح.
في كتاب رشيق صغير يستعرض تشوميسكي إنجازات الدعاية (البروباجندا) في الدول الديموقراطية، وكيف تحقق بدرجة عالية ما كان يسعى إليه الحكم الشمولي والاستبدادي من سلب الجمهور حق الاختيار والمعرفة، ولكن بطرق أكثر تحضرًا وحكمة!
5- التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول
إن ما كان في السابق يتم تحقيقه بالعنف والقهر؛ فإنه الآن يمكن أن يتم عن طريق الجدل والإقناع. *هارولد لازويل
بيير بورديو، أحد المفكرين الذين تركوا بصماتهم الفكرية على الحركات الاجتماعية والسياسية في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي حاول من خلال هذا الكتاب لفت الأنظار إلى التزاوج بين رأس المال والتكنولوجيا الحديثة، كما انتقد المثقفين الفرنسيين الذي أطلق عليهم كلاب الحراسة الجدد في التليفزيون، حيث تحوّل التليفزيون من وسيلة للترفيه والتسلية إلى وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي والتلاعب بالجمهور.
وقد اهتم الكاتب بالتليفزيون كما يقول نظرًا لما يحققه من إقبال جماهيري كبير، ونظرًا لتنوع الرقابة عليه من رقابة سياسية متمثلة في الدولة ورقابة اقتصادية في رجال الإعلان، وهذه الرقابة قد تبدو خفية إلا أنها تترك آثارًا كبيرة، وكنوع آخر من الرقابة تحدث عنه الكاتب وهو فن حجب المعلومات، والتحكم في عرض المعلومات المنقوصة أو المبتورة؛ الكاتب يخوض في هذا الكتاب رحلة الباحث والإنسان الذي يقدم كتابه كصرخة للجمهور وللباحثين للاهتمام بدورهم الحقيقي.
التعليقات مغلقة.