رشيد مصلي، مزعج جمهوريّة الجنرالات…بالقانون

660

 

 

rachid mesli رشيد مصلي، مسلي، الجزائر،
rachid mesli رشيد مصلي، ، الجزائر،

شعرت بألم وأنا أتلقّى تساؤلات عن “من هذا الذي استبدلت به صورتك على صفحتك على الفايسبوك؟”
تساؤلات شبه يوميّة…الكثيرون لا يعرفون المحامي رشيد مصلي…أو مسلي كما يكتب الإسم أحيانا.
لايعرفون أحد أكثر الجزائريّين دفاعا عن المستضعفين داخل الجزائر وخارجها…

أحد الذين قاوموا الجنرالات وزبانيتهم بالحقّ والقانون ولايزال..

وهو اليوم، ومنذ ثلاثة أسابيع،  محتجز إجباريا في إيطاليا، التي تنظر في تسليمه لجمهوريّة الفساد والمفسدين.

——–

ولد رشيد مصلي في عام 1954 أو قل عام الثورة، لأب كان من أعضاء حزب الشعب قبل أن يلتحق بالثورة عندما اندلعت ويقاوم بما أوتي من قوّة حتّى تتحرّر أرض الجزائر.
وليكون محمّد مسلي -والد رشيد – مع فجر الاستقلال، أحد مؤسّسي وزارة الخارجيّة مع المغدور محمّد خميستي رحمهما الله.

كان رشيد، أصيل مدينة تلمسان،  يقيم مع أسرته في برج الكيفان، وكان يعشق البحر ممّا جعله سبّاحا ماهرا في صباه،  فعضوا في الفريق الوطني للسّباحة ويفوز معه بعدّة بطولات مغاربيّة وعربيّة وإفريقيّة ما بين 68 و75.

تخرّج من كليّة الحقوق عام 78 وسرعان ما التحق بالمحاماة ليتعامل مع محامين كبار كعلي يحي عبد النّور،  الذي أدار رشيد مكتبه عندما اعتُقل في منتصف الثماننينات بتهمة تشكيل “منظّمة حقوقيّة غير مشروعة”.

كان ذلك بداية تعرّفه واحتكاكه بالنّظام الجزائريّ،  الذي سرعان ما سيشتبك معه قانونيّا، عندما زحفت الدّبّابات على ساحات الاضراب في صائفة 1991…يومها قتل وجرح المئات…واعتُقل المئات من المضربين والمعتصمين…
وُضع بعضهم في السّجون وأُرسل آخرون لمعتقلات في قلب الصّحراء، خاصّة في منطقة أدرار…كان هذا قبل أشهر من الموجة الثّانية التي ستشهد اعتقال أكثر من 20 ألفا ووضعهم في محتشدات بالصّحراء بعيد الإنقلاب.

تطوّع رشيد مع محامين كبار  آخرين ،من أمثال علي يحي عبد النّور وعمّار بن تومي، دفاعا عن المعتقلين والمسجونين بما فيهم قادة الجبهة الإسلاميّة وعلى رأسهم عباسي مدني وعلى بن حاج، الذين اعتقلوا في نهاية يونيو91، على الرّغم من أنّهم كانوا قد وقّعوا اتّفاقا سياسيّا مع رئيس الحكومة الجديد يومها، أحمد غزالي.

لم يكن رشيد من الجبهة الإسلاميّة ولم يكن يتعاطف مع بعض أطروحاتها، بل لم يكن له أيّ نشاط سياسيّ، ولكنّه كان يؤمن إيمانا راسخا، أنّ لكلّ إنسان الحقّ في التّعبير عن رأيه سلميّا، كتابة أو اعتصاما أو تظاهرا…كما يؤمن أنّ لكلّ متّهم الحقّ في محاكمة عادلة وفق ما تنصّ عليه قوانين البشر وقبلها شرائع السّماء.

في إحدى لقاءاتنا ذكر لي رشيد أنّه صُدم من تصرفات النّائب العسكري العامّ لسجن البليدة العسكري، الرّائد بخاري، حيث كان يقبع قادة الجبهة الإسلاميّة في نهاية 91 فقد كان يقوم بتضييق هائل على المساجين الإسلاميّين وكانت معاملة الحرّاس والضبّاط للمساجين قاسية وشديدة، و لا تتوافق مع القانون، كما كان الرّائد بخاري، الذي سيصبح جنرالا في بضع سنين، يحاول إذلال المحامين والأسر عند زيارة المساجين…
لكنّه ذات نهاية ديسمبر وجده عند الباب   بانتظاره، وهو تقريبا في حالة “استعداد عسكريّ”، وتعامل معه بلطف شديد فاستغرب رشيد هذا السّلوك “الحضاريّ جدّا” من شخص كان سيّئا معهم قبل أيام… ولكنّه سرعان ما تذكّر أنّ الانتخابات كانت قد جرت قبل يومين وفاز فيها الفيس بأغلبيّة ساحقة…ثمّ أضاف رشيد محدّثا عن الرّائد بخاري، من أنّه “بعد 11 يناير عاد بخاري إلى سيرته الأولى بل أشد ّوأقبح”.

أسبوعان تقريبا بعد الانقلاب، اعتُقل عبد القادر حشّاني، الرّجل الذي قاد الفيس لذلك الفوز المرعب، وعدد كبير من قادة الجبهة… مرّة أخرى يتطوّع رشيد للدّفاع عنهم.
رشيد بطبعه الهادئ لم يكن يُلقي بالا للاستفزازات المتصاعدة التي اصبحت تطبع سلوكيّات من يفترض أنّهم قضاة الجمهوريّة ومديرو السّجون التي كان يُطلق عليها مراكز إعادة التربيّة…
كانت حجّة المحامي رشيد دائما هي تطبيق القانون كما تنصّ عليه مواثيق “الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبيّة”. كان جداله بالقانون الذي تمرّس فيه وأصبح ممّن يعرفون خباياه… وكان كثيرا ما ينجح في إطلاق سراح هذا المعتقل أو ذاك…أو يخفّف حكما جائرا ظالما على هذا السّجين أو ذاك أو مساعدة أسرة هذا المخطوف أو ذاك…
مع الأيّام ذاع صيت المحامي رشيد بين أسر المساجين والمخطوفين، الذين بدأوا يعتقلون ولا يظهر لهم أثر…فإضافة لتمرّسه القانونيّ لم يكن رشيد يتقاضى مالا مقابل ما يقوم به من دفاع عن العشرات من المتّهمين ظلما وعدوانا، بل إنّه كثيرا ماكان يدفع من جيبه مالا لشراء دواء أو غذاء لبعض المساجين، يساعده بعزم في ذلك صهره، المحامي محمّد طاهري الذي أصبح يشكّل معه “ثنائي خطير”.
بدأت الحرب تزداد قذارة بعد أن صرّخ ذات يوم من ربيع1994، رئيس الوزراء الاستئصالي  رضا مالك، بلغة فرنسيّة مدويّة، “على الرّعب أن ينتقل إلى الطرف الآخر Il faut que la peur change de camp”.
بدأت الجثث تُرمى على طرقات بعض المدن خاصّة ماجاور العاصمة… وأصبح زوّار الفجر يخطفون الرّجال في الليل كما في النّهار…وامتلأت السّجون بآنين المعذّبين في معتقلات بن عكنون وبني مسّوس التي كان يديرها الرّائد “عثمان طرطاق” وليس بعيدا عنه في البليدة الرّائد “جبّار مهنا”، ولم تكن مراكز الشّرطة خاصّة  “شاطونوف” بأحسن حال…
إنّها مسالخ بشريّة كما أرّخ لها الكتاب الأبيض الذي أصدره معهد هقار والذي لعب رشيد مصلي ومحمّد طاهري، ومعهما الطّبيب الجرّاح صلاح الدّين سيدهم الذي كان يقاوم متخفّيا بعد أن حُكم عليه غيابيا، بعشرين عاما حبسا، دورا كبيرا في ايصال المعلومات للدّكتور عبّاس عروة وزملائه الذين بدأوا يُطلعون العالم من سويسرا، على حرب قذرة تزداد بشاعة يوما بعد يوم.

فرّ الشّباب إلى الجبال كما فرّوا إلى أرض الله التي كانت تُغلق شيئا فشيئا غلى الجزائريّين… وبدأ الطّرف الآخر هو أيضا يقتل …فساد رعب هائل في جمهوريّة الجنرالات.
في تلك الأثناء كان العالم قد بدأ يشعر أنّ إجراما متعاظما يملأ الجزائر، التي بدت ويكأنّها في كوكب آخر بعد أن استطاع “حماتها” بدعم فرنسيّ، لايقلّ عن دعم الرّوس اليوم لبشّار، من جعل حربهم تجري خلف أسوار مغلقة…
كيف لا وقد هرب الأجانب بما فيهم الصّحفيون الذين بدأوا يُستهدفون ذبحا وقتلا واحتطافا.
كانت منظّمات حقوقيّة وشخصيّات إنسانيّة دوليّة تصرخ أن أوقفوا الجنون في الجزائر،  وكان مصلي وطاهري من المحامين القلائل جدّا الذين استمرّوا يدافعون عن المستضعفين في الوقت الذي انسحب فيه عدد كبير من زملائهم بعد أن بدأ رصاص الجيّا المزيّفة يستهدفهم…

فالتزم المحامي يحي عبد النّور بيته ولجأ المحامي محمود خليلي، قبل وفاته، إلى تونس وغادر آخرون الجزائر لوجهات متعدّدة…

في حين  –  أن إبراهيم تاوتي وعلي زويتة – وكلاهما محاميان لقادة الفيس أدخلا السجن  بتهم سخيفة.
القلّة القليلة جدّا من الحقوقيّين الذين زاروا الجزائر يومها، التقوا مصلي وطاهري، اللّذان أصبحا هما عيون “العالم الحقوقي”على ما يحدث في جمهوريّة الرّعب، ممّا منحهما بعض “الحصانة الاعلاميّة” ولكن، في نفس الوقت، ألقى على كاهليهما مسؤولية ثقيلة تتمثّل في قول الحقيقة للعالم علّ هناك من يخفّف من جراح الجزائر التي راحت تتّسع بتوسّع بشاعة حرب الجنرالات…
أصبحت كلّ حركة للثّنائي مصلي وطاهري تستهدف إنقاذ ما أمكن من أبرياء يُعدمون حينا في الطّرقات أو يختفون إلى الأبد أو يعذّبون في دهاليز مظلمة ورثها “حماة الجمهوريّة الجزائريّة” عن عسكر الجمهوريّة الفرنسيّة.
ضاق النّظام ذرعا بما يقوم به “الصّهران” مصلي وطاهري فضيًق الخناق عليهما وأصبح استهدافهما مسألة وقت ليس أكثر…

 

يتبع…

 

 

محمّد العربي زيتوت

التعليقات مغلقة.