“لابلويت la bleuite ” أو المصيبة الكبرى للثورة الجزائرية
Histoire du renseignement 2/4 19 février 2008 La «bleuïte» ou l’art de la guerre
عبد الحفيظ ياحا يتعرّض لمذبحة “لابلويت” في الجزء الأول من مذكراته.
في الجزء الأول من مذكّراته التي صدرت، مؤخّراً، المجاهد ”عبد الحفيظ ياحا” يروي: هكذا، أنقذت عشرات المجاهـدين من مذبحة العقيد عميروش
الأربعاء, 22 فبراير 2012
في سنّ الخامسة والثمانين من عمره، وهو مُدرِك، مثلما يقول، أن أيامه الباقية معدودات، قرَّر المجاهد ”عبد الحفيظ ياحا”، المدعو ”سي الحفيظ”، أحد قادة الولاية التاريخية الثالثة، خلال حرب التحرير الوطني، وأحد المشاركين في تأسيس ”جبهة القوى الاشتراكية”
في 1963 نشر الجزء الأول من مذكراته· هذه المذكرات التي حملت عنوان ”حربي في الجزائر ــ في قلب أدغال منطقة القبائل
(1954 ــ 1962)، صدرت منذ أيام عن دار ”ريفنوف”، بباريس، بفرنسا·
وما أن يفتح القارئ، مِثْلي، هذا الكتاب حتى يُستَدْرجَ في قراءته، مثلما يستهويه كتاب مثير، فالرجل يعطي صورة دقيقة عما عاشه وما شاهده، وهو شيء كبير: اِنطلاق ثورة أول نوفمبر، مؤامرة ”لا بلويت” التي أعدمت الثورة، خلالها، المئات من أبنائها خاصة الكوادر، ومشاركة المدنيين، خاصة النساء في الثورة، وعملية ”جوميل” التي كادت أن تخمد أنفاس الثورة، والمجازر ”العادية” التي اِرتكبها الجيش الاستعماري، وأهم العمليات العسكرية التي قادها أو شارك فيها·
يبدأ هذا الريفي الموشَّح بالحياء سرْد حياته التي لامس فيها الموت عن قرب، في العديد من المرات؛ وأول نجاة له من الموت كانت نجاته من الأوبئة؛ فوالده على سبيل المثال ”هو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من ثمانية إخوة وأخوات·” كلهم هلكوا بسبب الأمراض الفظيعة التي كانت تسود جبالنا”· ويمر، مرور الكرام، على طفولته التي تلخصت في مرافقة أب بشوش ومحب للسياسة ولحزب الشعب الجزائري ـ الذي تحوَّل فيما بعد إلى ”الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية”، (الذي كان له حضور كبير في المنطقة)، وعائلة ثورية قدمت 11 فرداً من أفرادها للمقاومة (أب وأعمام وأم وإخوة وأخوات انخرطوا في الثورة واستشهد فيها الأب وأخويْن، بينما عُذِّبت الوالدة بفظاعة)· وقبل ذهابه إلى فرنسا للعمل في أحد مصانع مدينة ”شارلوفيل ميزيير” بمنطقة الـ ”أردن” بشمال شرق فرنسا· وبعد مدة، جاءه أمر التجنيد، رفقة عدد من الجزائريين، إلى ”كامبري” بشمال فرنسا· آنذاك، كانت أوساط الهجرة تغلي مطالبة بالاستقلال وإطلاق سراح ”مصالي الحاج”، وهذا الغليان حمله هؤلاء الشبان إلى الثكنة· وفي النهاية، تقرر إعفاؤهم من التجنيد· ولم يقبل سوى واحد منهم التجنيد لأنه أراد أن يكون بالقرب من أهله في الجزائر!
الجحيم لم يتخيله ”دانتي” !!!
عند عودته إلى الجزائر، في سبتمبر ,1954 وعلى هامش الأزمة التي كان يعيشها الحزب الوطني، يقول ”ياحا” إنه شرع في اتصالاته بالأسرة الثورية في المنطقة، وبين أفراد عرْشِه· وهكذا، وجد نفسه في خلية في الناحية بقيادة شيخ عمار، الذي يكنُّ له ”سي الحفيظ” احتراماً فائقاً· ونفس هذا الاحترام يبديه ”سي الحفيظ ” لكل رفاقه في السلاح وللسكان المدنيين الذين قلما نقرأ كتابات تُقَدِّرُهُم إلى هذه الدرجة·
··· وانطلقت الثورة المسلحة، بالخصوص في الأوراس ومناطق أخرى· وقد تخلَّفت منطقة القبائل، رغم وجود الكثير من المناضلين في جبالها منذ …1947 بسبب قلة التنظيم الذي أفزع ”عبان رمضان” عند خروجه من السجن، في .1955 ولكن سرعان ما استدرك مجاهدو الناحية الأمر رغم قلة وقِدَم سلاحهم، وأصبحت هذه الولاية إحدى أنشط الولايات· وأكبر دليل على ذلك احتضانها لمؤتمر الصومام، في أوت .1956 ولأسباب عديدة أهمها قرب هذه الولاية من العاصمة، كان رد فعل الجيش الفرنسي جد قاسي وفظيع، وهذا حتى يرهب السكان عن احتضان الثورة· وللأسف، مثلما يستدرك ”سي الحفيظ”، فإن سوء تصرف بعض مسؤولي الثورة دفع العديد من السكان إلى التعاون مع العدو وتضخيم صفوف الحرْكى ·
ودون تفاخر، ودون أن يغمط حق رفاق السلاح، يتحدث صاحب المذكرات عن بداياته في التنظيم الثوري كقائد للمتطوعين المسلحين في قريته ”تاخليجت آث آتسو” ونشاطه في مجالات تنظيم السكان، وجمع التبرعات والإعلام والاتصالات مع المسؤولين، وفيما بعد المشاركة في عمليات عسكرية مثل القضاء على ”دو فلوني”، حاكم مدينة ”ميشلي” (”عين الحمام”، حالياً)·
وفي بداية ,1957 أصبح قائداً سياسيا وعسكريا في أول كتيبة في ”ميشلي” لجيش التحرير الوطني التي كانت تسمى، أيضا، ”كتيبة جرجرة”· وعن هذه الفترة، وإلى غاية ,1962 يتحدث ”سي الحفيظ” عن المعارك أو الهجمات والكمائن التي شارك فيها أو قادها، مثل ”أزرو أث خلف”، ”تالة تزارت” و”آيت واغور” و”أيت لعزيز” والعشرات غيرها· وكل في ما يرويه، لا يسقط في تضخيم ذاته، رغم دوره، المتزايد بمرور الوقت، ويعلي من شأن رفاقه، وخاصة القادة الذين يختلف معهم في هذه العديد من الأفكار والطباع· كما لا يسعى لتنميق الواقع، مثلما هو الحال، عند حديثه عن تأثيرات ”عملية جيمال” التي شنتها القوات الاستعمارية ضد منطقة الولاية الثالثة، بعد الانتهاء من ”معركة مدينة الجزائر” التي تزامنت مع إنشاء خطي ”موريس” على حدود البلاد· وفي هذه النقطة، يوضح ”سي الحفيظ” أن سنتي 1959 و1960 كانتا سنتين مرعبتين، إلى حد أن اعتقد الكثير، بيأس، أن الثورة آيلة إلى التوقف والموت· وقال بهذا الخصوص، بأن قيادة الولاية قررت تجزئة الوحدات القتالية إلى مجموعات صغيرة لتتفادى الحصار: ”ولم تَعُدْ للمجموعات الصغيرة تبادر بالقيام بعمليات· ومثل كل الجنود والمسؤولين المحليين، كُنْتُ مقطوعاً عن كل شيء؛ فلم يكن لي اتصال ولا معلومات عن مختلف المناطق وقطاعات الناحية· لقد فكك الإعصار القمعي كل شيء··· وحطم هذا الضغط المعنويات بشكل فظيع···” (ص 234)· ولم يُفك الخناق الحصار عن الولاية سوى بقاءُ العلاقة مع الشعب وتزايدُ الكلفة الباهظة لمثل هذه العمليات التي أثقلت كاهل العدو، اقتصاديا·
وفي باب الحديث الصريح عن الثورة يخصص ”سي الحفيظ” صفحات طويلة لما يُسمى بـ ”مؤامرة لا بلويت”، والمحتمل أن لا أحد كتب بمثل هذا الوضوح والدقة عن هذه القضية، لأنه ببساطة كان على رأس الكتيبة الأولى التي وقَفَ ضِدَّها·
كَيْفَ أَوْقَفْتُ مؤامرة ”لا بلويت”
قبل بدء الخوض في الحديث حول مؤامرة ”لا بلويت”، يقول ”سي الحفيظ” بأن النقيب ”بول آلان ليجي”، الضابط بمصلحة الاستعلامات والاستغلال التابعة للجيش الفرنسي مهندس ”لابوليت” نجح فيما لم تنجح فيه كل وحدات الجيش الفرنسي، أي نجح في تصفية جزء كبير من إطارات وأيضا من قاعدة المقاتلين دون أن يفقد الجيش الفرنسي، خلالها، ولو جندياً واحداً· وخلال بضعة الأشهر التي جرت فيها، فإن عملية التسميم هذه حطمَّت الثقة المقدسة التي كانت تشكل إسمنت بنائنا إلى ذلك الوقت ···” (ص 193)· ومفاد القضية أن قيادة الولاية الثالثة التي كان يقودها الشهيد العقيد ”أعميروش” أقدمت في 1958 على إعدام المئات من المجاهدين بعد أن سربت القوات الفرنسية شائعات عن وجود عناصر أرسلتهم إلى داخل صفوف الثورة· ويقول ”سي الحفيظ” بأنه ”على أساس اعترافات لا تُصَدَّق، انتُزِعَت تحت التعذيب، تحركَّتْ ”آلة تصفية الثورة”، إذ تم اغتيال وحشي للمئات من المقاتلين الذين اتهموا خطأ، بطبيعة الحال، بالتعاون مع العدو، وهذا من طرف رفقائهم في السلاح· وكل أسبوع، كانت تصلني أخبار عن موت مقاومين حقيقيين، بين أيدي أعوان النقيب أحسن محيوز، أحد مساعدي العقيد ”أعميروش”· لقد كانوا رجالاً فوق أية شبهة، خُضْتُ بجانبهم العديد من المعارك، وقد جرى تعذيبهم إلى حد الموت ثم جُرِّدوا من ثيابهم الشخصية···” (ص 194)·
ويقول ”سي الحفيظ” بأن العملية أحيطت بالسرية، إذ كان الأفراد يُستدعون إلى القيادة التي لا يُعصى لها أمر وأحيانا تُبَرَّر هذه الاستدعاءات بكونها ترقيات أو تعيينات في مناطق أخرى وتكليف بمهام جديدة، ويضيف: ”ولكن، بالفعل، لم يطُل بي الحال لأن أفهم أن كل مَنْ يُستدعون من طرف النقيب ”محيوز” كانوا يعدمون بتهمة الخيانة الكاذبة ]···[ وسرعان ما أن لَغَّمَ الخوفُ من تهمة الخيانة معنويات كُلَّ المقاتلين· ولم نعُد نأكل أو نبتسم مثلما كنا من قبلُ···”· وبدوره، صُدِم ”سي الحفيظ” بتأثير هذه التصفية التي يقوم يتولاها النقيب محيوز، المشهور، بشكل خاص، بفظاظته نحو المجاهدين، مثلما يقول· وعندما بلغ السيل الزبى، جمع ”سي الحفيظ” قادة كتيبته ليشرح لهم الأمور وقد قرروا الاتصال بـ ”أعميروش وسي عبدالله، قائد المنطقة الثالثة بالولاية، وتساءلوا إن لم يكن قد حدث شيء لـ ”أعميروش”· ولتطمين القلوب، طلب ”سي الحفيظ ومساعدوه لقاء ”أعميروش” وكلفوا عون الاتصال مع القيادة بتبليغهما بأنه ”طالما بقِيَ غامضا، فإن كتيبة جرجرة الأولى وإطاراتها قرروا عدم الامتثال لأوامر أي كان· وعليهما المجيء شخصيا لتقديم توضيحات حول هذه القضية· إننا نريد رؤيتهما دون إبطاء···”·
وسرى رعبٌ بين أفراد الكتيبة الذين بدأوا يتساءلون عن صحة تزكيتهم لموقفه الداعي لوقف إعدام المجاهدين· وأمام مبعوث ”أعميروش” الذي جاء لاستدعاء ”سي الحفيظ” إلى مركز القيادة، لم يبدوا تعاطفهم مع ”سي الحفيظ” الذي قال عن هذا الموقف: ”بأنه أصعب يوم عرفته خلال سنوات الكفاح”، وقد أبكاه هذا الموقف! وبوصفه مجاهداً صادقاً، استجاب للاستدعاء· وبعد لقاء سكرتير العقيد ”أعميروش”، ليسجل تصريحاته التي أصرَّ عليها، التقى ”سي الحفيظ بـ ”أعميروش”· وقد سأله أعميروش: ”لماذا أَلَّبْتَ الكتيبة الأولى ضدنا؟ لماذا رفضتَ أمراً صادراً عن هيئة الأركان؟ ولماذا تُصِرُّ على رؤيتنا بكل اِستعجال؟ (ص 212)· ويذكر ”سي الحفيظ” أنه دافع عن موقفه وعن المجاهدين المتهمين ــ وقد ذكر بعضهم بالاسم ــ وختم كلامه بالقول: ”لي إحساس بأن ”سي أحسن محيوز” قد أوقعكم في خطأ”·
وبهذا الخصوص يوضح ”سي الحفيظ” :”لقد ردَّ عليَّ العقيد أعميروش بجواب مصبوغ بحماس عهدناه منه في بعض خُطَبه وقال: ”أنا، أيضا، لم أفكر في أنه سيكون، بين جبال جرجرة المهيبة، رجالٌ قادرون على خيانة الثورة”· بينما قال النقيب ”سي عبد الله:” نحنُ نعلم أنه، أنه بلا شك، أن هناك جنوداً قُتِلوا خطأ، وللأسف ليس أمامنا خيار، أن الأمر يتعلق بمصير الثورة· وحقَّا، قد يكون ما فعلتَهُ شيء جيد، ولكنك أَحْدَثْتَ الاضطراب في صفوفنا· والبعض يقول أن كتيبة جرجرة قد تمردت علينا· وكان بإمكان الأمر أن يكون أخطراً···”· وقد عاد ”ياحا” من لقاء القائدين وهو يتساءل ”إلى غاية اليوم، عن دوافع قرارهما بخصوصه· وأضاف: ”وقد كان ارتياحنا كبيراً، بعد أسابيع من ذلك، عندما توقفتْ مجازر ”لا بلويت”· وهنا، لا يبدي ”ياحا” تشكيكا في وطنية ”أعميروش” وإنما في غياب رويته في الأمر: ”وبلا شك، فإن وطنيته المتميزة منعته من أن يرى بوضوح أكبر والتيقن من هذه الآلة الرهيبة· والصحيح، أيضاً، أن مقربيه لم يعينوه في هذه الظروف· وحتى وإن كان قائد الولاية، فقد كانت معه هيئة أركان· وهم ضباط كان بإمكانهم أن ينبهوه إلى الخسائر البشرية الضخمة لهذه التصفية· لا، لقد تملك الخوف الجميع، مفضّلين السكوت وتزكية الرعب عوض الاضطلاع بمسؤولياتهم···” (ص 216)· هل كانت هناك محاسبة؟ هل كان توضيحُ لملابسات القضية؟ هل أعيد الاعتبار إلى هؤلاء الضحايا؟ هذه أسئلة لم يطرحها ”ياحا” الذي يكفيه فخراً أنه كان المسؤول الذي أوقف هذه المأساة· ومثلما يقول في مذكراته، أن ”غرضي الأول والأخير من هذه الصفحات هو رواية ما عشتُهُ”·
قضية ”ملوزة”: محمدي السعيد يتشبث بموقفه ويوضح···
كما يُعرج، وإن دون إطالة، على مجزرة ”بني إلمان” المعروفة باسم ”ملوزة”· ويورد بهذا الخصوص تصريح القائد ”محمدي السعيد”، الذي قائد هذه العملية ضد سكان هذه القرية؛ فيقول بأنه خلال لقاء مع عدة مسؤولين كان ”ياحا” من بينهم، قال محمدي السعيد: ”هؤلاء السكان مصاليون، وقد أنذرناهم عدة مرات لكنهم لم يراعوا تحذيراتنا··· لقد كانوا يشكلون تهديداً على التنظيم··· لذا فقد تحملتُ مسؤولية مهاجمتهم· أما تنميق المشاهد وما حدث بعد ذلك، فإن مصالح الحرب النفسية للجيش الفرنسي هي التي فبركت ذلك قصد الإساءة لنا” (ص 135)· وبعيدا عن نية تبرئة ذمة محمد السعيد ومقاتلي جيش التحرير الوطني الذين كانوا وراء المذبحة، مثلما يقول، فإنه يبدي اندهاشه من الحملة الإعلامية التي أعقبت المجزرة ويستطرد: ”لكننا نعلم، منذ ذلك الوقت، أن عددا لا يُحصى من المدنيين قد ذُبِّحوا من طرف كوموندو مطارد تابع للجيش الفرنسي ثم جرى توصيفه على أنه جريمة اقترفت من طرف جبهة وجيش التحرير الوطني···”·
”حركة الضباط الأحرار” تريد الإطاحة بقيادة الولاية الثالثة
من جهة ثانية، وقبل الحديث عما يسمى بـ ”صراع الضباط الأحرار” التي قال بأنها شلَّت الولاية لمدة، يشير ”سي الحفيظ” إلى أن الرائد ”عبد الرحمان ميرا”، أحد القلائل الذين عادوا من الخارج قبل إقامة خط ”موريس”، أثار ارتباكاً في الولاية عندما عاد، في مارس .1959 وكان ذلك بعد طالب بتولي قيادة الولاية التي كان يقودها ”مُحنْد أولحاج” الذي لاقى معارضة بعض مسؤولي الولاية، بعد أن عُيِّنَ قائدا على هذه الولاية بتوصية من العقيد ”أعميروش” قبل استشهاده ·
وبخصوص روايته لأحداث ”صراع الضباط الأحرار” ضد الولاية الثالثة، يقول ”ياحا” بأن في صيف ,1959 قصده الملازم ”معمري” بخصوص مبادرة الضباط الأحرار· وقتئذ، كان ”سي الحفيظ” نائباً لـ ”موح جرْجَر”، قائد المنطقة· وخلال يومين، حاول هذا الضابط، الساخط على ”مُحنْد أولحاج”، ضم ”سي الحفيظ” إلى صف الضباط الأحرار، مستنداً في دعوته هذه إلى الوضع الذي كانت تعيشه الولاية، بغاية وضع ”مُحنْد أولحاج” أمام مسؤوليته بهدف إعادة تنشيط الولاية، مثلما قال· وقد استطاع هؤلاء إقناع عدد من الضباط وضباط الصفي في جيش التحرير في المنطقة الأولى وبعض نواحي المنطقة الثانية بالتمرد على قيادة الولاية الثالثة وطالبوا بتغييرها· ومع ذلك، فإن الرائد ”ميرا”، الذي كان على جفاء مع مُحنْد أولحاج”، رفض الانضمام إلى هذه الحركة بل وحاول لدى ”أولحاج” السماح له بتخليص الثورة منها· ولكن حكمة ”أولحاج” الذي فضّل التفاوض مع زعماء الحركة وبقي على اتصال بهم إلى أن عادوا إلى صفوف الثورة· ولولا حكمة قائد الولاية الثالثة لحدثت تصفية جديدة في صفوف الثورة، حسب رأي صاحب المذكرات·
··· وباستثناء هذه القضايا الشائكة، حَفِلَت صفحات الكتاب الـ 374 صفحة، بسرد لعشرات من مواقف الشجاعة والبطولة التي أبداها الشعب الذي لولاه لما الثورة، أصلاً· وفي هذا الصدد، يشيد ”ياحا” بمواقف النسوة ومعاناتهن· وينتقد سعي أطراف في سلطة ما بعد الاستقلال إلى ”إعادتهن إلى المطبخ”· وإذا كان يثمن مواقف الشعب بمختلف فئاته، بما في ذلك الأطفال (إذ يروي، على سبيل المثال، قصة توغل مجموعة من الأطفال التلاميذ داخل مركز عسكري وسرقة سلاح سلموه للثورة)، فإنه ينتقد أشد الانتقاد ما يسميه ”تقاعس” جيش الحدود ويقول إنه عجز عن تموين الثورة بالأسلحة وأنه كان مشغولا بالتحضير للاستيلاء على السلطة، بعد الاستقلال·
ومن المنتظر أن يتناول الجزء الثاني من المذكرات الفترة ما بين 1962 و.2000 وللعلم، فإن ”عبد الحفيظ ياحا”، كان من المعارضين لمن يسمون بـ ”جماعة وجدة” وهم، أساساً، من مسؤولي جيش الحدود الذين تولوا السلطة بعد الاستقلال· وقد ذهب في معارضته لهذه الجماعة إلى المساهمة الفعالة في إنشاء ”جبهة القوى الاشتراكية” (الأفافاس) وقيادة تمردها العسكري في 1963 ضد السلطة المركزية· وفيما بعد، قاد المفاوضات بين السلطة والأفافاس، قبل لجوئه إلى المنفى، وهناك قاد الأفافاس، رفقة ”حسين آيت أحمد” إلى غاية قيام التعددية، حيث عاد إلى الجزائر، ليواصل، بطريقة أخرى، نضالاً بدأه منذ خمسينيات القرن الماضي···
ماذا حدث في ”لابلويت”؟
وسميت أثناء الثورة ”المؤامرة الزرقاء”، وهي من اللحظات المؤلمة في تاريخ الثورة التحريرية، حيث ارتكبت مذبحة كبيرة في حق الكثير من المثقفين الذين التحقوا بالثورة، وكان المسؤول عن تلك المذبحة العقيد عميروش، والذي قيل بأنه اكتشف مخططا وضعته المخابرات الفرنسية، وبعد يقينها من الاستقلال عملت على تسريب عناصر جزائرية موالية لها، داخل الثورة، في عملية اختراق اختراق والهدف الاكبر هو ”اختراق” دولة الجزائرية المستقلة المنظرة، وحتى يمنع ”المؤامرة” نفذ العقيد عميروش مذبحة كبيرة راح ضحيتها مئات المثقفين الذين التحقوا بالثورة·
من هو عبد الحفيظ ياحا؟
هو الرائد عبد الحفيظ ياحا المدعو سي عبد الحفيظ، أحد قادة الولاية التاريخية الثالثة، والذي تحول إلى المعارضة بعد الاستقلال، حيث كان من المؤسسيين الأوائل لجبهة القوى الاشتراكية ومسؤول جناحها العسكري في إطار ما سمي بعد الاستقلال ”حرب الولايات”، وبقي سي عبد الحفيظ يحافظ على سمعته الطيبة في مختلف مراحل حياته قبل وبعد الاستقلال، ويوصف بالقائد التاريخي النظيف، وكان مفاوض الرئيس الأسبق أحمد بن بلة عن الولاية الثالثة التي حملت السلاح ضمن حرب الولايات·
عرض: مصطفى ولد عبد الخالق (باريس)
http://www.djazairnews.info/analyse/38-2009-03-26-18-28-54/35345-2012-02-22-16-56-07.html
.L’histoire est qu’on a perdu notre fierté depuis le 16 juin 1830
L’histoire est que le 13 février 1960 a fait de la France membre permanent et de l’Algérie une poubele