زيتوت لـ”قدس برس”: الاتفاقية القضائية تنتهك السيادة الجزائرية وتفتح الباب لهيمنة أمريكا على إفريقيا

105

بعد التوقيع على اتفاقية شاملة للتعاون القضائي بين الجزائر وواشنطن
لندن ـ الجزائر ـ خدمة قدس برس
حذر الديبلوماسي السابق والناشط السياسي الجزائري المعارض محمد العربي زيتوت مما يمكن أن يترتب عن الاتفاقية الشاملة للتعاون القضائي بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، وأعرب عن مخاوفه من أن تكون الاتفاقية جزءا من أدوات ملاحقة النظام الجزائري لمعارضيه في الخارج وعنصرا مساعدا للإدارة الأمريكية لبسط نفوذها على الشمال الإفريقي.
وذكر زيتوت في تصريحات خاصة لـ”قدس برس” أن ما يثير المخاوف بالنسبة للاتفاقية الشاملة للتعاون القضائي بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية هو أنها تؤسس رسميا لعملية تبادل المعلومات والأشخاص بين البلدين، وقال: “هذه الاتفاقية القضائية بين وزارتي العدل الأمريكية والجزائرية تأتي أساسا لتسمح بامكانية تسليم جزائريين للجماعة الحاكمة في الجزائر أو استلام جزائريين ممن قد يزعم أنهم يمثلون خطرا على الأمن الأمريكي، وهذا شيء خطير للغاية ويتعارض مع الدستور الجزائري، الذي لا يسمح بتسليم جزائريين إلى دول أخرى للتحقيق معهم، لكن الاتفاقية الحالية، تكمن خطورتها أنها هي تؤسس قانونيا ورسميا لواقع موجود، ووعيا منه بأهميتها الكبرى وصف وزير العدل الأمريكي يوم التوقيع عليها بأنه تاريخي، فهي تسمح للأجهزة الأمنية الأمريكية بتناول ملفات من يزعم بأنهم من المتهمين، ومن ثم تفتح أسرار الدولة الأمنية والمالية أمام الجهات الأجنبية، وهو بالتأكيد أمر يتنافى وأبسط مفاهيم سيادة الدول”.
وأشار زيتوت إلى أن الاتفاقية هي جزء من مخطط أمريكي متكامل لبسط النفوذ على المنطقة الإفريقية من البوابة الجزائرية، وقال: “هذه الاتفاقية تدخل في إطار استراتيجية أمريكية تهدف إلى السيطرة على الجزائر، وهي استراتيجية متدرجة فيها كثير من الديبلوماسية المرنة مع النظام الجزائري، فمنذ العام 2001 انتبهت الولايات المتحدة إلى الأهمية الاستثنائية للجزائر باعتبارها مدخلا للسيطرة على إفريقيا، فعمدت من خلال اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية وقضائية لبسط نفوذها، فعن طريق الاتفاقيات العسكرية على سبيل المثال ضمنت امكانية استخدام القواعد العسكرية الجزائرية لا سيما في الجنوب لأهدافها الخاصة، ومن الناحية الأمنية تمكنت من الحصول على امتيازات خاصة تسمح بنشاط كبير لأجهزة الاستخبارات وللشركات الأمنية الأمريكية في الجزائر، لا سيما في الصحراء والمدن الكبرى كالجزائر العاصمة، وعلى المستوى الاقتصادي تمكنت شركات النفط الأمريكية من الحصول على امتيازات استثنائية، حتى أن أمريكا أصبحت في بضع سنين هي المستورد الأول للطاقة الجزائرية”.
ولفت زيتوت الانتباه إلى أن التعاون بين النظام الجزائري والإدارة الأمريكية يحمل مصالح الطرفين، لكنه دعا الولايات المتحدة الأمريكية إلى النأي بنفسها عن الدخول كطرف إلى جانب النظام الجزائري، وقال: “النظام في الجزائر يعرف أن أيامه أصبحت معدودة، لا سيما مع تزايد الاحتجاجات الاجتماعية التي تحولت في بعض المدن الجزائرية إلى ما يشبه العصيان المدني كمدينة عنابة مؤخرا، ولذلك فهو يعمل على الاستقواء بعلاقاته الخارجية ومنها مع أمريكا لضرب معارضيه والتضييق عليهم في كل مكان وشيطنتهم أمام العالم، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن في سيطرتها على الجزائر ستبسط نفوذها على المنطقة الإفريقية بالكامل، ومن ثم يؤهلها ذلك إلى خوض الصراع مع القوى الكبرى الأخرى بشكل مريح”.
وأضاف: “لكن على أمريكا أن تفهم أن الشعب الجزائري، ما عدا القضايا الإسلامية الكبرى، ليس له خلاف تاريخي مع الولايات المتحدة لا في الماضي ولا في الحاضر، ومن ثم فإن ربط أمريكا بنظام تقول هي عنه من حين لآخر بأنه فاشل وفاسد، هو خطأ استراتيجي كبير شبيه بموقف الإدارة الأمريكية من نظام الشاه في آخر أيامه”، على حد تعبيره.
وكانت وسائل إعلام جزائرية رسمية قد نشرت فحوى الاتفاقية الشاملة للتعاون القضائي التي وقعت، بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، وقالت بأنها تنص على تبادل الأدلة الجنائية والمستندات المالية وسجلات البنوك والمؤسسات الأخرى، وتبادل والمعلومات والوثائق والشهود في القضايا التي تكون قيد التحقيق القضائي.
وحسب ذات المصادر، سيكون متاحا للعدالة والمحاكم الأمريكية الاطلاع على سجلات البنوك الجزائرية وكشف سير حركة الأموال في الحسابات البنكية التي تكون محل شبهة، والاطلاع على المستندات المالية للمؤسسات العاملة في الجزائر، والاستفادة من كافة المعلومات والأدلة الجنائية، واستنطاق الشهود الجزائريين أو المقيمين في الجزائر، لدى مباشرتها التحقيق في قضايا جنائية. كما سيكون متاحا أمام العدالة الجزائرية الاستفادة من كافة المعطيات والمعلومات في القضايا التي تكون محل تحقيق من قبلها.
ونقلت هذه المصادر عن وزير العدل الأمريكي، إيريك هولدر قوله: إن ”الهدف المشترك للبلدين من الاتفاقية هو مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والجريمة العابرة للحدود، عبر تبادل الأدلة الجنائية والمعلومات والوثائق وتبادل الشهود والمستندات المالية وسجلات البنوك والمؤسسات الأخرى لاستعمالها في القضايا التي تكون قيد التحقيق القضائي”.
وأكد الوزير الأمريكي أن ”الاتفاقية تندرج في إطار تعزيز وترقية التعاون في المجال القضائي بين البلدين، كونها تمثل إطارا لتبادل الأدلة الجنائية التي تشمل كل الجرائم والقضايا”. مشيرا إلى أنها ”تعبر عن الإرادة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية في تطوير التعاون مع الجزائر في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والجريمة العابرة للحدود”.
وأضاف المصدر: “حرص وزير العدل الأمريكي على التأكيد أن ”الإرهاب يهدد أمننا القومي ونحن حريصون على توسيع التعاون مع الجزائر فيما يتعلق بتبادل الأدلة والمعلومات، كما أن الجريمة العابرة للحدود باتت تفرض علينا التعاون ووضع آليات أكثـر دقة لردع المجرمين وكشف خططهم وجرائمهم”. وأضاف المتحدث: ”الجزائر بلد كبير ويدخل ضمن أولويات التعاون لدى الإدارة الأمريكية، نحن نكن كل التقدير والاحترام للجزائر ونضالها من أجل مكافحة الإرهاب”.
كما نقلت ذات المصادر عن وزير العدل الجزائري، الطيب بلعيز، قوله : إن ”التوقيع على هذه الاتفاقية يؤكد تقاسم الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية لنفس التوجه في محاربة الإجرام والإرهاب”. وأضاف: ”الجزائر التي تستقبل مرحلة من الأمن والاستقرار، تعيش مرحلة إصلاحات جذرية وعميقة في جميع المجالات، ويهمها تحصين نفسها من الإجرام بجميع صوره وأشكاله، لاسيما العابرة للحدود التي لا تقتصر آثارها الوخيمة على مجتمع دون غيره”. مشيرا إلى أن الجزائر ستبقى يدها ممدودة لجميع الدول التي تريد أن تبني معها علاقات احترام وتبادل للمصالح.
وأكد بلعيز أن ”الجزائر وقعت على 87 اتفاقية للتعاون القضائي مع 45 دولة”، أبرزها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وسويسرا وبلجيكا، كما قال.

التعليقات مغلقة.