النجاحات الجزئية

99

م/ محمود الدويـــك
24/7/2007
في بعض الأحيان تظن المقاومة أن بإمكانها اختصار مراحل الصراع وهي لا زالت في بداية معركة التغيير، فتدعو لاستخدام أساليب تعتمد على قاعدة جماهيرية كبيرة، بينما هي لا زالت معزولة عن الجماهير، أو لم تلق منه الدعم الكافي بعد. ومن الأمثلة على ذلك أن تدعو المقاومة للعصيان المدني وهي في بداية تكوينها.
وقد تتبادر القيادة بتبنى بعض الوسائل المعتمدة على الحشد من أجل:
– الفوز بالسبق الإعلامى ودعاية للحزب أو المؤسسة.
– اختبار لرد فعل الخصم
– كسر لحاجز الخوف لديها
ولهذا النوع من التسرع عدة تداعيات سلبية نذكر منها:
• إصابة أعضاء المقاومة أنفسهم بالإحباط نتيجة عدم استجابة الجمهور للنشاط الذي دعت إليه، وربما توجه الأعضاء لمعاداة الجمهور ورميه بالسلبية، خاصة وإن توفرت الظروف الموضوعية السياسية والاقتصادية التي تحرض على الثورة.
• ارتفاع معنويات الخصم نتيجة فشل المقاومة في اختبار إمكانية الحشد ومدى اقتناع الجماهير بفاعلية قرارتها، مما يظهر المقاومة بشكل ضعيف.
• استخفاف الجمهور بقرارت المعارضة ودعواتها اللاحقة.

لذلك يفضل عندما تكون المقاومة في بدايتها أن تقترب من الجمهور من خلال:
• تحديد قضية تمس الجماهير مباشرة ويتم استنفارهم من أجلها.
• تحديد مجال اختبار التفاعل الجماهيري بنطاق جغرافي محدد تركز فيه الجهود، ولا يشترط أن يكون هذا النطاق مدينة بل قد يكون حياً صغيراً.
•تحديد هدف دقيق وسهل التنفيذ يُتوقع نجاح تحقيقه بنسبة كبيرة،[1] ويراعي أن تكون الأنشطة المستخدمة لتحقيق هذا الهدف لا تتطلب بطولات ومجابهات مع الأمن، بل تستنفر الجميع للمشاركة بداية من الطفل إلى المرأة إلى الشيخ.
•الحرص على تحقيق نجاحات جزئية متتالية ليزداد إيمان الجمهور بقادة المقاومة وفاعليتها وقدرتها على قيادة الصراع.
• التغطية الإعلامية المدروسة، والتي تنقل هذه الإنجازات الجزئية وتسلط الضوء عليها.[2]
إن الجماهير عادة لا تمنح ثقتها لأي أحد، لذلك فإن من أهم أولويات المقاومة في بداياتها أن تكسب ثقة الجمهور، وتثبت له إمكانية التقدم في مسار التغيير، وتخلق حواراً مباشراً معه لتتحول الوسائل إلى رغبة جماهيرية وليست إملاءات من قيادة المقاومة قلما يستجيب لها العدد المرجو.
إن رفع سقف الأهداف مع غياب الروافع القادرة على إنجاز هذه الأهداف، وانخفاض حقيقى لإمكانية الفعل فى الواقع يأتى فى مصلحة الخصم وليس فى مصلحة المقاومة المعلنة.
لذلك على قيادات المقاومة ألا تلوح باستخدام وسيلة توقن أنها لن تجدي في المرحلة التي يمر بها الصراع، وعليها أن تنتقي من جعبتها الوسائل المناسبة لطبيعة المرحلة. ولا تحرق وسيلة لم يأن أوانها بعد، فالقائد البارع لا يخطط للفشل، أو يهدف إلى مجرد تسجيل الحضور في الساحة، ولكنه يحرص على الانتقال من نصر إلى نصر.

تنوع المسارات وخطوط الرجعة
إن احترام تنوع مكونات مشروع التغيير، وتفهم وجود آليات مختلفة للعمل يعتبر ضرورة لتفعيل فكرة “المجتمع الطبيعي”. فليس بالضرورة أن يعمل كل المجتمع بنفس الطريقة، لكن “المجتمع الطبيعي” يحمي بعضه بعضاً، ويسدد كل أخطاء الآخر.
كالإنسان الذي يحرك يده في الشارع وهو يمشي، ثم تصطدم بشخص عن غير قصد، فإن نظر إليه الشخص متوعداً؛ قام اللسان بعمل خط الرجعة قائلاً “عفواً.. لم أنتبه”.. واللسان هنا لا يحمي اليد فقط من رد الفعل، إنما يحمي الجسد كله من جراء فعل تم عن غير قصد. ربما في سره يسب اليد لكنه لا يبوح..
واللسان في الظروف العادية لا يقوم بمهام اليد، واليد لا تقوم بمهام اللسان، ولا يعتب أحدهما على الآخر، لا يقول اللسان لليد أيتها البكماء، ولا تصف اليد اللسان بالجبان المختبيء داخل الفم.
الميزة أن اللسان واليد في النهاية يعملان لهدف واحد، وهو خدمة الإنسان، كل على طريقته، وباستراتيجيته الخاصة، وأدواته المميزة.
وفي مشروع التغيير ينبغي أن تتفاعل كل مكوناته من تيارات وحركات ومجموعات عمل معاً، وأن تستثمر تنوعها وعدم اندماجها عضوياً في كيان واحد في توفير خطوط رجعة في حالة الخطأ. وأن يعلم كل فريق أنه مجتهد في تصوره، ويتواضع متخلياً عن يقينه المفرط في خياراته، مؤكداً أهدافه وإصراره على تحقيقها، فإن أخطأ فريق ما سدد الآخرون من خلفه، دون أن يقولوا له بشماتة؟ “ألم نقل لك لا تفعل؟ ألم نخبرك؟؟” فالجسد الواحد لا يفعل ذلك.. يساند بعضه بعضاً، من أجل حماية مشروع التغيير ككل. فكما أن لليد أخطاء، فكذلك لها مناقب تذكر، ومن قال أن اللسان لا يخطيء، كم من مرة كانت قذائفه سبباً في تعدي الآخرين على كل الجسد.
إن احترام التنوع في المجتمع ضرورة، ومن المهم استيعاب الاختلاف في الاستراتيجيات الخاصة بكل مجموعة في المجتمع، وتقدير ذلك طالما أن الجميع يسعى للوصول لذات الهدف، وأن ثمة مسار لا يتعارض مع الآخر، فلا يجتمع مسار التسوية مع مسار الحسم، لكن لا بأس من المسارات المتباعدة، فقد تكون أقرب خطوط النجدة والرجعة أحياناً.
وائل عادل

استراتيجية زراعة الشرايين
في بعض الأحيان يكون ارتباط الشعب بالقيادة التغييرية – حتى إن تنوعت وتعددت- كارتباط الجسم بأظافره، بعد فترة يتخلص منها، ولا يبالي بذلك، فهو الذي دعمها حين قرر أن يربي أظافره، وهو الذي تخلى عنها لعدم اقتناعه بها، أو لسوء مظهرها، أو لأن سلوكياتها أصبحت تؤلمه، وتخدشه، أو هكذا يظن..
وذلك بسبب أن المجتمع لا يشعر بولاء فعلي لتلك القيادة، ولا لأفكارها، فهي بالنسبة له مجهولة تماماً، وربما لا يعرفها، غير أنه لبى نداءها لأنه وجد فيها تجسيد مطالبه هو، لكنه مع أي تحول في المواقف، لا يعبأ بتلك القيادات، وقد يتشكك فيها أيضاً..
لذلك كانت استراتيجية “زراعة الشرايين”، حيث يكون ارتباط الشعب بالقيادة التغييرية حيوياً، وذلك يقتضي التحول من كون القيادات مجرد أظافر يُتخلص منها إلى بنى مفصلية في المجتمع، يتعرف عليها عن قرب، ويشعر تجاهها بالأمان، ويثق في وطنيتها وإخلاصها، وهذه الاستراتيجية تأخذ أشكالاً تنفيذية متنوعة، نذكر منها على سبيل المثال:
صناعة رموز شعبية من خلال الإعلام والعمل العام.
الاندماج الكامل مع الجماهير من خلال حملات ومشاريع ميدانية تلتحم بالناس، وتجعلهم يساهمون في علاج التحديات التي تواجههم في أحيائهم.
زرع الثقة في الجماهير وتوعيتهم بالمستقبل المراد تحقيقه، أكثر من تخويفهم من الحاضر، فاليأس والخوف عدوان قاتلان.

العمل الجاد البناء ومساندة الناس في الشعور بإمكانية الفعل على مستواهم الشخصي، وذلك من خلال مؤسسات تؤهل الفرد وتجعله فاعلاً في المجتمع.
تفعيل وبناء المؤسسات الحيوية في المجتمع، التي يرتبط بها الناس ارتباطاً وثيقاً، (النوادي – المراكز التعليمية – المراكز الصحية- الخ) فتكون هي وسائل بنائه وتنظيمه وحشده.
والسياسة العامة في كل الأنشطة هي تأكيد معاني أنك إنسان حر قادر على الفعل. والتبشير لا التخويف، فالناس ستدعم من يعدها بالأمن ويبشر بالأمل.

http://aoc.fm/site/node/286

التعليقات مغلقة.