هل يعود الدعم أم يستمر العصيان؟
تقوم الثورات اللاعنيفة على فكرة العصيان، فالنظام يعتمد في بقائه على تعاون الشعب، من خلال الطاعة والعمل في المؤسسات، وبتوقف حركة العمل وتفعيل مبدأ العصيان يتهاوى النظام بعد أن يصاب بالشلل.
بعد ذلك تتشكل في الغالب حكومة انتقالية، دورها قيادة الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، إلا أن الخطأ الكبير الذي قد يقع فيه البعض هو البدء بمحاسبة تلك الحكومة قبل أن يبدأ بدعمها… وهو بذلك ينقلب على نظرية الثورة القائلة بأن النظام يقوم على دعم الشعب!! متخيلاً أن الحكومات هي من يمد المجتمع بطاقة الحياة، وبالتالي يبدأ في مساءلة الحكومة دون أن يقوم هو بواجبه، وهو تصور نابع عن الوعي المقلوب بالقوة في المجتمع جراء الحكم الديكتاتوري، حيث كان النظام يوهم الناس أنهم معتمدون بالأساس عليه وليس العكس، وأنه هو الذي يمدهم بالقوة ويطعمهم ويكسوهم. وبالتالي فهم في حاجة دائمة له.
تأتي الثورات اللاعنيفة لتقلب هذا المفهوم قائلة أن القوة بيد المجتمع، وهو الذي يمنح الحكومة القوة بدعمه لها، أو يسقطها بسلب الدعم منها. وبالتالي فسحب الدعم من النظام السابق يهدمه، لكن النظام الجديد لن يقوم لمجرد تعيين حكومة، بل يجب أن تسترد الحكومة الدعم مجدداً حتى يمكن أن تحقق أهداف الشعب وإلا عدنا إلى فكرة تأليه الحاكم واستغنائه عن الشعب.. أي أن الشعب لا يكفي أن يسلب الدعم من النظام السابق متصوراً أنه بذلك قد أدى واجبه، يجب أن يعيد الدعم لبناء النظام الجديد.
والدعم لا يعني المباركة والتأييد فحسب، وإنما العمل الجاد لبناء المجتمع القوي الذي يملك المؤسسات القادرة على دعم برنامج الحكومة. ودور الحكومة في هذه الفترة هو توفير التسهيلات اللازمة لقيام تلك المؤسسات.
إن أي حكومة تحمل مشروع التغيير ستعترضها عقبات كثيرة في المرحلة الانتقالية، منها ما يتعلق ببقايا النظام القديم ومحاولات التخريب وعرقلة البناء، لكن التحدي الأكبر هو قدرتها على استعادة دعم الشعب بعد أن تعلم العصيان، وظن البعض أنه سبيل لتلبية حاجاته، وليس السبيل لاستعادة فاعليته وتأثيره في الحياة.
كذلك يقع الشعب في حيرة، هل يدعم الحكومة الجديدة على الدوام أم يحاسبها؟ وماذا عن أخطائها المتكررة؟!. وهنا يجب أن تتضح العلاقة بين الدعم والمحاسبة وكثافة حضور كل منهما في مراحل بناء النظام الجديد. ففي المرحلة الانتقالية التي تستعيد فيها الدولة عافيتها يكون الهدف الأكبر هو الدعم، إن كان هناك ثقة في حمل الحكومة للرسالة والمشروع الشعبي، وإن كان هناك يقين في أن أخطاءها تعود لأسباب متعلقة بقلة الدعم. هنا تكون مسئولية أي إخفاق مشتركة بين الشعب والحكومة..
أما عند الانتقال إلى الديمقراطية يتغير الأمر، وتكاد تكون كفتا الدعم والمحاسبة متساويتين، أي يجب التركيز على كليهما بنفس الدرجة وقد تكون السمة الطاغية هي المحاسبة على الأخطاء التي تبدو غير مبررة في ظل شعب داعم لحكومته، فما عذر الحكومة؟!
إن واجب المجتمع بين الدعم والمحاسبة يتغير بحسب المرحلة، والحد الذي يُغفر فيه لأخطاء الحكومة يختلف أيضاً من مرحلة لأخرى، ونوعية الأخطاء التي يمكن تجاهلها تختلف من مرحلة لأخرى، فالمجتمع يحدد معايير المحاسبة بحسب المرحلة، ففي البدايات قد يكون ملف الأمن وتأكيد الحريات أولوية كبرى مقارنة بارتفاع الأجور، وفي مرحلة أخرى يكون ارتفاع الأجور هو المطلب الموضوع على المحك!!
تمر النظم بمرحلة تهديد وجود في البدايات ثم استقرار ثم نمو وازدهار، وتتفاوت أولوية الدعم والمحاسبة بحسب المرحلة، فالنظم في مراحل تهديد الوجود تميل فيها الكفة إلى موقف شعبي داعم مع قدر من المحاسبة لا يؤدي إلى تعطيل الأعمال، تماماً مثلما يحدث في الحروب، لأن الناس قد لا تنتبه إلى أن سبب الإخفاق ليس فقط في الإدارة، وإنما في التقاعس عن الدعم أو طبيعة التحديات التي ستواجه أي حكومة في تلك المرحلة، أما عندما يستقر النظام فيجب ارتفاع سهم المحاسبة، لأنه الكفيل بتطوير الأداء، وحينها يرتبط الدعم بنتائج المحاسبة، إن كانت مرضية استمر، وإن كانت مؤسفة تبدأ الضغوط للتصويب أو تغيير الحكومة!! فإن ارتد النظام على أعقابه توقف الدعم تماماً وبدأ العصيان من جديد..
وائل عادل
4/4/2011
http://aoc.fm/site/node/569
التعليقات مغلقة.