رد محمد زيتوت على السؤال: هل تتفاوض رشاد مع النظام؟
ما هو التفاوض؟ | بقلم البروفيسور عبّاس عروة
التفاوض آلية من آليات تحويل الخلاف، الهدف منه الوصول إلى اتفاق بين أطراف الخلاف.
ويختلف التفاوض عن الحوار الذي هو تحادث يفضي إلى التعارف.
قد يقوم طرف ثالث بدعم التفاوض إذا تعذّر ذلك على أطراف الخلاف.
وإذا اقتصر دور الطرف الثالث على توفير الدعم اللوجستي لعملية التفاوض، نسمّي ذلك عملية تسهيل أو تيسير.
ومثل ذلك ما حدث بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والحكومة الفرنسية في نهاية حرب التحرير، حين قدّمت الحكومة السويسرية في مراحل متأخرة من التفاوض دعمًا لوجستيا للطرف الجزائري.
أمّا إذا كان للطرف الثالث دورٌ في هيكلة مضمون التفاوض، فنسمّي ذلك عملية وساطة.
ومثل ذلك المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية أين يتدخّل الطرف الثالث، المتمثّل أساسًا في الولايات المتحدة الأمريكية، في مضمون التفاوض.
ما هي شروط نجاح عملية التفاوض؟
هناك عدّة شروط لنجاح أيّ مفاوضات:
تشمل سلوك التفاوض، أي استعداد الأطراف ونظرتها ومقاربتها للتفاوض؛
تشمل مضمون التفاوض، أي المواقف والمصالح والأهداف المطروحة للتفاوض؛
تشمل عملية التفاوض، أي كيفية التفاوض ومَن يشارك فيه وبرعاية مَن.
ويمكن ذكر بعض الشروط الأساسية:
أوّلًا مشروعية أهداف ومصالح الأطراف وقابليتها للتفاوض.
فهناك من القضايا ما يمكن طرحه للتفاوض وهناك ما هو غير قابل للتفاوض أصلًا، مثل الحاجيات الأساسية للفرد والمجموعة من مأمن ومأكل ومشرب وملبس وملجأ، إلخ. وأيضا الحق في الحرية وفي احترام مكوّنات الهوية.
ثانيًا التمثيلية التي يجب أن يحظى بها المُفاوض.
حيث أنّ كلّ أطراف الخلاف والجهات المعنية يجب أن تكون ممثّلة.
ثالثًا الشرعية التي يجب أن تتوفّر لدى المُفاوض.
فلا بدّ أن يكون مفوّضًا من أصحاب الحق، وأن يمتلك سلطة شرعية للتفاوض وهذا يعزّزُ موقفَه تجاه الأطراف الأخرى.
رابعًا المرجعية وهي مجموعة النصوص والمؤسسات المتفّق عليها سلفًا والتي يلجأ إليها المفاوض لتحديد موقفه تجاه ما يطرأ من أحداث ومواقف في مسار التفاوض.
المرجعية إذن هي البوصلة التي تحمي المفاوض من الضياع في متاهات التفاوض ومن الخروج عن الإطار العام الذي حدّدته له الجهة المفوّضة.
أمّا في ما يخصّ المسهّل أو الوسيط فنضيف شرطين:
المصداقية والقبول لدى أطراف الخلاف.
التجرّد من أيّ مصلحة ذاتية وعدم الانحياز لأحد الأطراف.
لكن يبقى أهمّ شرط لنجاح التفاوض هو:
التكافؤ: أيْ توفّر النية الحسنة والإرادة القوية والجاهزية الفعلية لدى جميع الأطراف.
ولا يتحقّق ذلك إلا إذا كان هناك شيء من توازن القوى وإذا شعرت جميع أطراف الخلاف بترابط مصالحها وبكونِ بعض المصالح الذاتية لا يمكن تحقيقها إلا بواسطة التفاوض.
بمعنى أنّه أيّ “أفضل بديل لاتفاق تفاوضي” يمكن التفكير فيه
(Best Alternative to a Negotiated Agreement – BATNA)
يكون أسوأ ممّا يُمكن أن يفضي إليه التفاوض.
وفي حالة انعدام التماثل والتكافؤ بين الأطراف، يمكن استعادة ذلك بطريقتين:
الأولى: هي ما أسمّيه الدفع الحسن أي المقاومة اللاعنفية التي يقوم بها الطرف الضعيف لاستعادة توازن القوى.
الثانية: هي ما أسمّيه التدخّل الحسن لإصلاح ذات البين.
بالنسبة للخلافات التي تنشب في العالم الإسلامي، التدخّل الحسن هو واجب الأمة الإسلامية عبر تنظيماتها مثل منظمة التعاون الإسلامي أو جامعة الدول العربية.
فمن المفترض أن يكون دور هذه الهيئات هو إقناع أطراف الخلاف بضرورة التفاوض والضغط على الطرف المتعنّت.
لكن للأسف في غياب الدور الفاعل لهذه الهيئات العربية والإسلامية تقوم دول ومنظمات أخرى بملء الفراغ، مثل مجلس الأمن للأمم المتحدة وحلف الناتو، وتتدخّل في خلافات تخصّ العالم العربي والإسلامي.
مثال على استعمال التفاوض لأغراض استراتيجية وتكتيكية؟
الحالة الفلسطينية مثال جيّد لعدم التماثل والتكافؤ بين الأطراف واختلال ميزان القوة بينها.
فمن جهة هناك جانب إسرائيلي متعنّت ومتغطرس بقوته العسكرية والسياسية والدبلوماسية، ومن جهة أخرى جانب فلسطيني مشتّت ومستضعَف سياسيا وعسكريا.
والحالة الفلسطينية أيضًا مثال جيّد لاستعمال التفاوض لأغراض استراتيجية وتكتيكية.
فالجانب الإسرائيلي ليس في حاجة إلى التفاوض لتحقيق مصالحه، وما لديه من BATNA “بدائل لاتفاق تفاوضي” يُغنيه عن التفاوض.
وهو إذن يستعمل التفاوض لكسب الوقت من أجل تغيير الواقع على الأرض، ويقوم بتوظيف التفاوض كغطاء لعملية تهويد المعالِم الفلسطينية ووضع العالَم أمام الأمر الواقع.
وماذا عن التجربة الجزائرية؟
الحالة الجزائرية أيضًا جديرة بالاعتبار. فمنذ انقلاب 1992 أُجهضت كلّ فرص التفاوض في الجزائر.
منذ وقت مبكّر أي في 1993-1994 وإلى غاية 1997-1998 قام جناح من النظام الجزائري يُسمّى بـ”الجناح الحِواري”، والممثّل بالجنرال الرئيس ليامين زروال، بمبادرات للتفاوض أطلق عليها اسم “الحوار الوطني” لكنها لم تُكلّل بالنجاح، وذلك لعدة أسباب منها:
– إصرار النظام على أن يحدّد وحده شروط التفاوض ومَن يشارك فيه؛
– انعدام الشفافية أمام المواطنين وإقصاء فئات واسعة من المجتمع؛
– موقف “الجناح الاستئصالي” للنظام، الرافض لأيّ حوار أو تفاوض والذي كان يلجأ عند كلّ مبادرة تفاوض إلى التصعيد القمعي، وحتى إلى ارتكاب مجازر في حق المدنيين العزّل، بهدف تعفين الأجواء السياسية والأمنية، وهذا بالضبط ما دفع ليامين زروال إلى الإعلان عن انسحابه من منصب الرئاسة في سبتمبر 1998.
في نفس الوقت كانت مديرية الاستخبارات والأمن تتفاوض مع الجيش الإسلامي للإنقاذ.
وأفضت تلك المفاوضات إلى هدنة من طرف واحد، وإلى قانون ما سُمّي بـ “الوئام المدني”، الذي تطوّر في ما بعد إلى قانون ما سُمّي بـ “ميثاق السلم والمصالحة الوطنية”.
يُعتبر هذا المسار تهميشًا للقوى السياسية والمجتمع المدني، وهي الأطراف المؤهّلة للتفاوض، وتكريسًا لهيمنة “العسكري” على “السياسي” في الجزائر.
تجدر الإشارة أيضًا إلى مبادرة منظمة سانت إجيديو لتسهيل التفاوض بين أطراف الخلاف في الجزائر، حيث قامت هذه المنظمة بدعوة كلّ الأطراف، بما فيها النظام، إلى روما لمناقشة الأوضاع في الجزائر، وذلك لاستحالة تنظيم مثل هذا اللقاء على أرض الوطن.
وفِعلًا اجتمعت أحزاب المعارضة الرئيسية في أوّل لقاء بروما في 21 و 22 نوفمبر 1994، في حين اكتفى النظام بإيفاد أحزاب موالية له وتكليفها بتمثيله والدفاع عن موقفه بشكل غير رسمي.
ثمّ انعُقد لقاء ثانٍ بروما ما بين الثامن والثالث عشر من شهر جانفي 1995. واختُتم هذا اللقاء بالمصادقة على وثيقة العقد الوطني وهي أرضية تتضمّن مجموعة من القيم والمبادئ المشتركة التي اتفق عليها الشركاء السياسيون.
لكن النظام لم يقبل بهذه المبادرة ووصفها بـ”اللاحدث” ورفضها “جملة وتفصيلًا”، على حدّ تعبير الناطق باسم الحكومة آنذاك أحمد عطّاف.
ماذا كانت نتيجة هذا التعنّت؟
النتيجة للأسف هي أنّ حصيلة القمع وإرهاب الدولة والعنف المضادّ ارتفعت من ما يقارب 30 ألف في بداية 1995 إلى ما يقارب ربع مليون، أي تضاعفت عشر مرّات تقريبًا.
ولا شكّ أنّ كلّ من ساهم في رفض مبادرة سانت إجيديو يتحمّل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية عن هذا الكمّ الهائل من الضحايا.
إذا تعذر عليك مشاهدة فيديو اليوتوب أعلاه، شاهد الفيديو أدناه:
[flowplayer src=/videos/Zitout_rachad_dont_negociate.flv splash=Zitout_rachad_dont_negociate.jpg]
التعليقات مغلقة.