شيخ العسكر إذ يهنّئ المتهجّم على الجنرال توفيق

224
توفيق قايد صالح بوتفليقة رشاد الجزائر
التوفيق قايد صالح بوتفليقة  الجزائر

لفهم آخر التطوّرات الحاصلة في ما يمكن تسميته ب”المشهد السّلطوي” في الجزائر هذا الأسبوع، لابدّ من العودة قليلا إلى بداية العام الماضي، عندما شنً ّعمّارسعداني ، الأمين العام لحزب جبهة التّحرير الوطني ،- الحزب الوحيد سابقا – هجوما لاذعا على رئيس المخابرات، الجنرال محمد مدين، المدعو التوفيق.

1- في هجومه غير المسبوق، يوم 3 فبراير 2014، يخلص سعداني، وهو زعيم مليشيا مسلّحة محليّة في ولاية الواد زمن الحرب القذرة في التسعينات، إلى أنّ الجنرال الذي يوجد على رأس أخطر جهاز عسكريّ في الجزائر، فشل في مهمّته على مدار 24 عاما من ترأّسه للمخابرات ويدعوه للرّحيل..

يومها قام سعداني، التي تؤكّد شهادات كثيرة أنّه كان في شبابه، راقصا وطبّالا في فرقة موسيقيّة صحراوية اشتهرت في مدينة الواد التي هي أيضا مسقط رأسه، بتعداد قائمة طويلة من التّهم، ليس أقلّها التدخّل في الشأن السّياسي واختراق الأحزاب وإخضاع الاعلام…بما يتعارض مع “مبادئ الدّولة المدنيّة كما ينصّ عليها الدّستور…”، والتّقصير المريع في آداء مهامه.

أخطر من ذلك، الفشل في حماية “الرّئيس” بوضياف الذي اغتيل على مرأى من العالم أجمع وهو يلقي خطابا في مدينة عنّابة أقصى شرق الجزائر، في 29 يونيو1992، ولم يكن قد أكمل بعد 6 أشهر على رأس المجلس الأعلى للدّولة.

وتضمّنت قائمة الاتّهامات أيضا، “الفشل في حماية الرّئيس بوتفليقة من محاولة اغتيال تعرّض لها في ديسمبر 2007″، في مدينة باتنة في شرق الجزائر، وكادت القنبلة التي انفجرت قبل وصول موكبه بدقائق وأودت بحياة عدد من الأشخاص، أن تُنهيَ حكمه الذي بدأه في أبريل 1999 عندما اختاره كبار العسكر ليكون رسميّا على رأس السّلطة ، ومن بين هؤلاء الجنرال توفيق نفسه.

2-أحدث ذلك الهجوم حالة من الصّدمة في المجتمع السّياسيّ المخمليّ في الجزائر العاصمة، فعلى استثناءات قليلة جدّا من شخصيات عُرفت بمعارضتها الشّرسة للنّظام الانقلابيّ الذي جاء في 11 يناير 1992، لم يسبق لأيّ مسؤول مدنيّ في الجزائر أن انتقد ولو ضابطا في الجيش، فما بالك أن يكون في المخابرات بل رأس المخابرات، وصانع الرّؤساء الذي يدير البلاد بقبضة حديديّة هو ومن معه من كبار الجنرالات داخل جهاز كان هو رأس الحربة في حرب وُصفت بالقذرة لفظاعتها، تخلّلتها مجازر مرعبة ومازال آلاف المختطفين يشهدون على بشاعتها، وأدّت- من بين كوارثها – إلى مقتل ما لايقلّ على 200 ألف شخص.

3- بعد الصّدمة والوجوم، جاء الرّدّ على سعداني شنيعا، صارخا ومدويا، من كلّ أولئك الذين يقسمون بكلّ الأيمان أنّه،”لولا الجنرال توفيق لانهارت الجزائر وأصبحت منذ زمن أسوأ من أفغانستان”، بعبارة أخرى من كثير من أولئك الذين يدينون للجنرال توفيق وجهازه الرّهيب، بالمناصب العليا التي يتربّعون عليها، وبالنّفوذ والمصالح التي جعلت بعضهم مليارديرات، وجعلت البعض الآخر جنرالات وعقداء ووزراء وسفراء وولاة وكبار قضاة وإعلاميّين …، حتّى ولو تجاوز بعضهم السّبعين من العمر وربما قارب الثّمانين، وحتّى لو كان فاشلا وفاسدا وربّما أيضا قاتلا من زمن التسعينات…، أو ما يزال يعمل مخبرا عند الجهاز الذي يحسب، وأحيانا يحبس، أنفاس الجزائرّيين.
من بين الذين دافعوا بقوّة على التوفيق، أحد الجنرالات السّابقين والمشهور بدمويّته في التسعينات هو الجنرال حسين بن حديد، ومن بين ما قاله لجريدة الخبر مباشرة بعد هجومات سعداني:
“الهجومات التي مصدرها الرّئاسة لا حدث بالنّسبة للمخابرات”.
“بوتفليقة عيّن قايد صالح نائبا لوزير الدّفاع لاستفزاز توفيق”
“تنحية توفيق ستزرع الفوضى في الجيش وبوتفليقة يدرك هذا جيّدا”

4- الواقع أنّ ما قاله الجنرال بن حديد، قائد النّاحية العسكريّة الثّالثة في التّسعينات، دقيق إلى حدّ كبير، فماكان لعمّار سعداني، المتخم بالفضائح والملطّخة أيديه بالدّماء هو أيضا، أن يتجرّأ على الجنرال الذي وصف نفسه يوما أنّه “ربّ الدّزاير”.
ماكان لسعداني أنّ يتجرّأ لولا أنّ الشّقيقين بوتفليقة، عبد العزيز وشقيقه الأصغرالسّعيد، الذي كان يوصف بعين السّلطان آنذاك، قبل أن يصبح هو الحاكم باسم شقيقه الذي أقعدته الأمراض وأنهكته أعوامه 78.

وبمباركة الفريق المساند لهم من كبار العسكر وعلى رأسهم الجنرال أحمد قايد صالح، الذي عيّنه بوتفليقة قبيل ذلك بأشهر فقط، نائبا لوزير الدّفاع إضافة لمنصب قائد الأركان، وهما منصبان لم يجتمعا لأحد من قبله، ممّا يجعله الرّئيس الإداريّ والعمليّاتي للجيش كله، والبالغ تعداده 512 ألف عنصر وعلى رأسه حوالي 400 جنرال.

ما كان سعداني ليتجرّأ، لولا أنّ بوتفليقة ضمن مباركة كبار جنرالات المخابرات الجدد الذين كان قدعيّنهم في سبتمبر2013، عندما قام بسلخ، ليس فقط، إدارات كبيرة كانت تابعة للجنرال توفيق، كمخابرات الجيش التي أصبحت من اختصاصات قائد الأركان، ولكن أيضا بطرد كبار الجنرالات الموالين له واستبدالهم بآخرين موالين له ولقائد الجيش، وعلى رأسهم مدير المخابرات الدّاخليّة  عبد الحميد بن داود ومدير المخابرات الخارجيّة يوسف.

ولعبت عمليّة عين أميناس في بداية 2013 دورا بالغا في تسريع الضّربة للجنرال التوفيق، إذ أدّى فشل المخابرات في التّعامل مع المسلّحين بقتلهم هم ومن معهم من الرّعايا الغربيّين، إلى غضب شديد في الأوساط الرّسميّة الغربيّة، التي طالبت بإنزال عقوبات شديدة بمن أعطى الأوامر.
فقدّمت الولايات المتّحدة وفرنسا دعما قويّا للشّقيقين بوتفليقة وحلفائهم من كبار الجنرالات، لإضعاف التوفيق وطرد كبار معاونيه، بل وصل الأمر إلى حدّ سجن و لعدّة أسابيع بدعوى رفضه أوامر إخلاء السّكن الوظيفيّ،- الجنرال عبد القادر آيت عرابي، المدعو حسان – الذي قاد العمليّة باعتباره رئيس القوّات الخاصّة التّابعة للمخابرات.

5- بعد أن أدًى هجوم سعداني ما عليه، وهو أساسا كسر الهيبة الأسطوريّة للجنرال الأقوى والمتخفّي في قلب السّلطة التي هو ركيزتها وأقدم أركانها، إذ هو الوحيد المتبقّي من المجموعة التي أقدمت على الانقلاب، بعد أن اختفوا الواحد تلوى الآخر.
وبعد عدّة أيّام من الصّدمة والسّجال بين ممثّلي الجناحين، و بعد أن نضجت “الأكلة”، وفي محاولةٍ للظّهور بمظهر رئيس الجميع، والمدافع الأوّل عن الجيش وكبار قادته، جاءت رسالة تعزية نُسبت للرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، عقب سقوط طائرة عسكريّة يوم 11فبراير، و أدّت إلى مقتل أكثر من 70 شخصا من العسكريّين وأسرهم، ومن بين ما جاء فيها،”لقد اعتدنا الأجواء التي تخرقها بعض الأوساط قبيل كلّ استحقاق، لكن هذه المرّة وصل التكالب إلى حدٍّ لم يصله بلدنا منذ الاستقلال، فكانت محاولة المساس بوحدة الجيش الوطنيّ الشّعبي والتعرّض لما من شأنه أن يهزّ الاستقرار في البلاد وعاصمتها لدى الأمم”.

ثمّ تلتها أسبوعا بعد ذلك، و بمناسبة ما يعرف بيوم الشّهيد في 18 فبراير، رسالة مطوّلة أسهب فيها بوتفليقة –  السّعيد  بكلّ تأكيد – ، بالحديث عن الصّدام العلنيّ والذي أسماه ” … تصريحات طائشة وغير متروّية أدلت بها شخصيات سامية عموميّة تبعتها تعليقات من كل حدب وصوب هيأت الفرصة لوسائل إعلاميّة محليّة وأجنبيّة نشر أراء وتخمينات تمسّ أو تكاد مجتمعة بوحدة الجيش الوطنيّ الشّعبي. إنّ المتربّصين – من هم في الخفاء ومن هم في العلن – يستغلّون هذا الوضع الذي لا خير يرجى منه لمحاولة فرض أطروحة وجود صراع داخليّ في الجيش الوطنيّ الشّعبي بزعمهم أنّ دائرة الاستعلام و الأمن هيئة تخلّ في تصرّفاتها بالقواعد التي تحكم مهامها وصلاحيّاتها.”

وفي الوقت الذي أعطى انطباعا من أنّه يدافع عن الجيش، كلّ الجيش، اعتبر أنّ جهاز المخابرات مثله مثل الأجهزة الأخرى:
“لا يحقّ لأحد أنّى كانت مسؤوليّاته أن يضع نفسه ، نشاطه وتصريحاته فوق أحكام الدّستور وقوانين الجمهوريّة لايحقّ لأحد تخريب الأعمدة التي يقوم عليها البناء الجمهوريّ والمكتسبات. لايحقّ لاحد أن يصفّي حساباته الشّخصيّة مع الاخرين على حساب المصالح الوطنيّة العليا في الدّاخل والخارج. لقد ولّى عهد التّنابز والتّلاسن ولنتصرّف بالتي هي أفضل ونتفرّغ للتي هي أحسن”.

ثمّ وبصيغة الذي يُذًكر أنّه هو الرّئيس كانت التّعليمات واضحة إلى جهاز الجنرال توفيق:
“ومن ثمّة يتعيّن على دائرة الاستعلام والأمن أن تواصل الاضطلاع بمهامها وصلاحيّاتها القانونيّة. إنّها جزء لا يتجزّأ من الجيش الوطنيّ الشّعبي ، يؤدّي مهامه في إطار القانون وطبقا للنّصوص التي تحكم نشاطاته . إنّ المتوخّى من التّذكير هذا إنّما هو تجديد التّأكيد بوضوح وجلاء أنّ دائرة الاستعلام والأمن خلافا لما يرد في الصّحافة من أراجيف ومضاربات تمسّ باستقرار الدّولة والجيش الوطنيّ الشّعبي ، تبقى مجنّدة تمام التجنّد في سبيل الاداء الأمثل للمهام الموكلة اليها شأنها في ذلك شأن بقيّة هياكل الجيش الوطنيّ الشّعبي”.

ذاك الصّراع المعلن كان فرصة ليضع بوتفليقة كلّ المتخاصمين في نفس المستوى، ويذكّر أنّه هو الرّئيس الذي يجب أن يخضع له الجميع.
كان ذلك أساسيّا لكي يترشّح لعهدة رابعة دون مناوشات جديدة، بعد أن أدّت الهجومات المحبوكةغرضها.

كلتا الرّسالتين قرأهما البعض على أنّهما إدانة لعمّار سعداني وتحذير له، في حين أنّها كانت في الواقع، الجزء الثّاني من مسلسل اضعاف صانع الرّؤساء وأكثر أهل السّلطة قوّة ونفوذا، بعد الجزء الأوّل الذي تمّ في النّصف الأوّل من سبتمبر 2013 وأدّى إلى تجريد الجنرال توفيق من أهمّ رجاله واختصاصاته.

6- و اليوم يأتي الجزء الثّالث، وربّما يكون معلنا ومبشّرا أنّه الجزء الأخير، من معركة شرسة على السّلطة.

فلم يكتف السّعيد بوتفليقة بأن وقّع رسالة باسم شقيقه الرّئيس، الذى انهارت صحّته إلى الحدّ الذي لم يعد قادرا على حمل منديل بكلتيْ يديه ليمسح فمه، و لتكون رسالة دعم قويّة لعمّار سعداني، بعد أن فرضه السّعيد نفسه على رأس  جبهة التّحرير الوطنيّ التي كَثر المتشاكسون حولها وحول مغانمها، رسالة يسانده فيها بلا تحفّظ ليكون الأمين العامّ الشّرعيّ والحاكم بأمره للحزب.
و هو تكريم له على ما يقارب العام ونصف العام من هجوماته على الجنرال التوفيق، بدأت أشرسها في فبراير2014، وماتزال  مستمرّة منذ ذلك التّاريخ وإن بحدّة أقلّ ، ووتيرة أخفّ.

وليكتمل تكريم شاتم الجنرال توفيق، ويصبح أكثر زخما وأثرا، جاءت رسالة شيخ العسكر، الفريق قايد صالح، تقول، للطبّال السّابق:
” إنّه لمن دواعي سروري أن أتقدّم إلى شخصكم بخالص التّهنئة وأطيب الأمنيات بالصّحة والرّخاء بمناسبة تزكيتكم بالاجماع أمينا عامّا لحزب جبهة التّحرير الوطني، وأدعو الله أن يوفّقكم في مهمّتكم التي تتطلّب الكثير من التّضحيات ”
وتضيف بلغة التّزكية والتّضخيم، لحزب أصبح مرتعا لكثير من اللّصوص:
“سيبقى الحزب القوّة السّياسيّة الأولى بالبلاد حاملا لهاجس خدمة المصالح العليا للوطن”.

7- وبهذه التّهنئة والتّكريم، التي لم يحظ بهما أّي ممتهن للحزبيّة في الجزائر، وحَظِيَ بهما زعيم مليشيا محلّيّة مسلّحة، كان يشرف عليه ضابط صغير في جهاز المخابرات في عقد التّسعينات، يمعن قائد الأركان ونائب وزير الدّفاع، في إهانة الجنرال التوفيق، صانع الرّؤساء ومرعب الضبّاط والقضاة والولاة والوزراء…
والمشرف أيضا على خراب عارم، أغرق الجزائر في فساد ورداءة جعلت من الرّاقص سعداني، زعيما للجبهة التي فجّرت واحدة من أكبر ثورات الشّعوب ضدّ الاستعمار.
و ربّما ما هي إلاّ أيام ويرحل الجنرال الشّبح، الذي  أحبّ الخفاء حتّى ظنّ الكثير أنّه أسطورة.
قد يرحل في الأيّام القادمة، بمناسبة التّرقيات و “التّقعيدات” العسكريّة التي تتمّ في بداية يوليو من كل عام.

يرحل أو يعاند، فيصبح الصّراع علنيّا ومفتوحا على كلّ الاحتمالات…وذاك حديث آخر..

 

محمّد العربي زيتوت

تعليق 1
  1. انا يقول

    ان شاء الله يتقاتلوا و نتشفاو فيهم

التعليقات مغلقة.