الحصاد المر.. عشرون عاما على انقلاب الجزائر

99

في الساعة الثامنة مساءً يوم 11 يناير/كانون الثاني 1992 بثّ التلفزيون الجزائري خطاباً مقتضباً للرئيس الشاذلي بن جديد، جاء فيه اختصارا، أنّه لم يعد بإمكانه الاستمرار في حكم البلاد. اتّضح فيما بعد أنّ كبار جنرالات العسكر -والذين قاتل أغلبهم مع الجيش الفرنسي لكي تبقى الجزائر فرنسية أيام الثورة- قد خيّروا الشاذلي بن جديد بين إعلان حالة الطوارئ وتعليق الدستور وإلغاء الانتخابات التشريعية -والتي كانت قد جرت لتوّها وفاز فيها الإسلاميون بأغلبية ساحقة جاوزت 80% وهي 188 مقعدا من أصل 221 التي حسمت في الدور الأول- والرّحيل عن الحكم، ليتولّوا هم القيام بذلك.

اختار الرّجل أن يبتعد وألا يشارك في فتح باب الجحيم على الجزائر والجزائريين، وهي المهمّة التي تولاّها كبار الجنرالات الذين قالوا بأنّهم “سيوقفون المسار الانتخابي مؤقتا، إنقاذا للجزائر من حكم الإسلاميين البرابرة الذين يريدون العودة بالجزائر 14 قرنا إلى الوراء”.

تمر اليوم الذكرى العشرون لبداية “العهد الصالح” الذي ُوعِدنا به، وفيما يلي جزء يسير من “النتائج الباهرة” التي حققتها الأيادي البيضاء لجنرالات الجزائر:
على المستوى الأمني والسياسي:
• مئات المجازر الفظيعة ارتكبت ضد المدنيين العزّل على امتداد التراب الجزائري أشهرها: سيدي يوسف ببني مسوس، بن طلحة، الرايس، سيدي الكبير، الرمكة هذه الأخيرة بلغ عدد قتلاها أكثر من 1150 شخصا في ليلة واحدة باعتراف الوزير الأول نفسه.

• ما بين 12 و20 ألف مختطف، مع استمرار ممارسات الاعتقال التعسفي وتعذيب المعتقلين والإخفاء القسري.

• آلاف العمليات المسلحة في مختلف المناطق بما فيها قلب العاصمة، أدّت إلى قتل عشرات الآلاف من الجزائريين أغلبهم من المدنيين العزل بطريقة بالغة الوحشية في أحيان كثيرة وراح ضحيتها أيضا جنود وشرطة ودرك، ولم يتعرّض أي مسؤول أمني أو عسكري أو سياسي لأية مساءلة أو محاسبة بسبب الإخفاقات الأمنية المستمرة، بل على العكس من ذلك تم ترقية المزيد من الضباط إلى رتبة جنرال مكافأة لهم على سجلاتهم الإجرامية.

• سياسة قمعية غير مسبوقة في تعامل النظام الجزائري مع مطالب الشعب الجزائري وأشهرها قمع انتفاضة منطقة القبائل والتي ذهب ضحيتها أكثر من 120 قتيلا، تسبب فيها أساساً نائب الوزير الأول الحالي يزيد زرهوني وها هو باق في الحكم دون مساءلة.

• سقوط مئات الجرحى في الانتفاضات اليومية وأحياناً قتلى على امتداد التراب الوطني دون إيجاد أي حلول دائمة ومجدية. وعلى سبيل المثال، واستنادا لتصريح رئيس البوليس الجنرال هامل فإن سنة 2011 وحدها شهدت أكثر من عشرة آلاف و900 بمعدل يزيد عن 900 احتجاج في الشهر تمت مواجهتها بقوات مكافحة الشغب خلفت قتلى وآلاف الجرحى والمعتقلين.

• هيمنة سياسة اللاّعقاب ضدّ الجلاّدين الحقيقيين للشعب الجزائري والتي كرّستها سياسات بوتفليقة خلال 12 سنة من الحكم بما فيها قانونا الوئام والمصالحة التي تهدف في نهاية المطاف إلى تبرئة المجرمين وتجريم الإسلاميين.

• بقاء الوجوه الأساسية من الجماعة الحاكمة منذ انقلاب 1992 رغم المسرحيات الانتخابية، ومن هؤلاء الجنرال محمد مدين المدعو توفيق الحاكم الفعلي للجزائر وكبار مساعديه من الجنرالات الآخرين، عبد المالك قنايزية، أحمد قايد صالح، جبار مهنا، الجنرال عطافي…بالإضافة إلى وزراء أثبت مرور الوقت فشلهم في كل المشاريع مثل أحمد أويحيى الوزير الأول وأبو بكر بن بوزيد وزير التربية منذ 1994.

• استمرار سياسة الوصاية على خيارات الشعب الجزائري حيث ما زال المسؤولون في أروقة الدولة على كافة المستويات يُعيّنون من طرف جنرالات المخابرات، وحتى المنتخبين لا يمرون إلا بعد الموافقات الأمنية.

• خنق المجال السياسي أمام المعارضة الحقيقية حيث تم تكسير ما بقي من الأحزاب المعارضة عن طريق الانشقاقات الممنهجة التي تديرها المخابرات، إضافة إلى الموافقات الإدارية لأي نشاط سياسي ولو في قاعة مغلقة.

على المستوى الاقتصادي والاجتماعي:
• أدّت عمليات غلق آلاف الشركات المحلية والوطنية بطريقة عشوائية إلى طرد مئات الآلاف من الموظّفين من مناصب عملهم.

• انتقال عدوى سياسة اللاّعقاب من الميدان السياسي إلى الميادين الأخرى خاصّة الاقتصادي والمالي، الأمر الذي أدّى إلى تفشّي الفضائح المالية ونهب المال العام بلا حسيب ولا رقيب.

وعلى سبيل المثال لا الحصر: قضية الخليفة التي نُهبت فيها ما قيمته سبعة مليارات دولار، فضيحة البنك التجاري الصناعي، فضيحة بنك الجزائر الخارجي، بنك بدر، فضيحة بي أر سي كوندور، قضية عاشور عبد الرحمن، فضائح رشى الطريق السيار… والقائمة مفتوحة حيث تنهب مئات المليارات من الدينارات سنويا ولا يحاسب في الواقع إلا صغار الصوص بينما يتمتع كبارهم بحصانة كاملة.

• انتشار الرشوة واعتبارها وسيلة حكم وطريقة لإدارة الدولة والمجتمع بما فيها الرشوة من أجل الترقيات العسكرية، شراء الشهادات العليا والوصول إلى المناصب داخل أجهزة الدولة كان آخرها “انتخابات مجلس الأمة” التي تمّت بما يُعرف بالشكارة.

• ارتفاع نسبة الجريمة، الآفات الاجتماعية، الاعتداء الجنسي على الأطفال وغيرها من أنواع الإجرام بشكل غير مسبوق.

• انتشار البيوت القصديرية (العشوائيات)، وتحوّل كثير من المدن إلى ما يشبه القرى الريفية المُهملة.

• اعتُبرت الجزائر العاصمة من بين أسوأ العواصم للعيش فيها، واحتلت بذلك المرتبة 136 من بين 140 دولة.

• هروب مئات الآلاف من الجزائريين من وطنهم والاستقرار في كل دول العالم بما فيها الدول الأفريقية والأسيوية الفقيرة.

• هجرة عشرات الآلاف من الكفاءات الجزائرية إلى كل دول العالم.
• التقهقر إلى المراتب المتأخرة في كل التقارير الدولية بالرّغم من وجود أموال مكدّسة ضخمة تفوق على مائتي مليار دولار من احتياطات الصرف فعلى سبيل المثال لا الحصر:

– المرتبة 105 من بين 178 دولة في تقرير الفساد من منظمة الشفافية الدولية لعام 2010.

– المرتبة 133 من بين 178 دولة في تقرير منظمة “محققون بلا حدود لحرية الصحافة”.

– المرتبة 96 عالميا في مجال الحوكمة والاستقرار والخدمات.

– المرتبة 112 من 121 في مجال تسهيل التجارة الخارجية.

– المرتبة 84 من بين 135 دولة في التنمية البشرية.

– المرتبة 108 عالميا في مجال الاتصالات.

– المرتبة 14 عربيا و112 عالميا من بين 139 دولة عالميا في مجال السياحة وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي المتعلق بالقدرة التنافسية للسفر والسياحة لعام 2011.

– المرتبة 130 والأخيرة في مجال البحث والابتكار بعد السودان، واليمن والنيجر.

– المرتبة 102 عالميا في مجال التنمية.

– المرتبة 113 من حيث تمثيل المرأة سياسيا.

– ذكر تقرير ممارسة أنشطة الأعمال للعام 2011، الصادر عن البنك الدولي، والذي يقيس مستوى البيروقراطية ويقيّم قدرة الشركات على مزاولة أنشطتها أن الجزائر تحتل المرتبة 148 أي في مؤخرة الترتيب بين إيران والعراق.

– صنفت أفضل جامعة جزائرية في المرتبة الـ23 أفريقيا و4452 عالميا.

– المرتبة 157 من مجموع 175 كبلد من أسوأ البلدان للعيش عربيا وعالميا حسب الهيئة الأيرلندية ”أنترناشيونال ليفتينغ”.

– تقول دراسة أجراها معهد غالوب الأميركي في فبراير/شباط 2011 إن 32% من الشباب الجزائري يريد الهجرة إلى بلد آخر وذلك إذا ما أتيحت له الفرصة. بهذه النسبة تكون الجزائر من أكبر الدول المهددة بفقدان فئة الشباب.

– إحصائيات حديثة مخيفة حول ظاهرة الانتحار في الجزائر التي بدأت تأخذ منحنيات خطيرة في السنوات الأخيرة.

– تحتل الجزائر المرتبة الثانية بعد مصر في تعاطي الحشيش حيث قدرت نسبة الشباب المدمن -وليس المتعاطي- على المخدرات بـ5.7%.

– تفشي ظاهرة الانتحار وخاصة الانتحار بالحرق فعام 2011 شهد أكثر من 120 محاولة انتحار بالحرق توفى على إثرها عشرون شخصا على الأقل. هذه المحاولات طالت حتى النساء والاطفال.

– انهيار جميع مقومات الحياة الكريمة في المجتمع الجزائري وعلى رأسها قتل أكثر من مائتي ألف حسب تصريحات لبوتفليقة نفسه.

فيما يخص المراتب الأولى:
– تحتل الجزائر المرتبة الأولى في استيراد القمح.

– احتلت الجزائر المرتبة الثانية عالميا في حوادث المرور بمعدل 350 ضحية شهريا.

– تحتل الجزائر المرتبة الخامسة في ترتيب الدول المصدرة للمهاجرين إلى مختلف دول العالم.

– يقول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن الجزائر احتلت المرتبة الثامنة في لائحة أكثر الدول اقتناء للسلاح خلال سنة 2010 والمرتبة الثانية للدول المستوردة للسلاح الروسي.

إن أخطر من هذا كله الدمار الهائل الذي لحق بسمعة الجزائر والجزائريين على المستوى الدولي إلى درجة أن فرنسا أصبحت تتباهى وتحتفل باستعمارها للجزائر (لما يزيد عن 130 عاما)، ولا نجد إلا صمتا متواطئا من السلطة الحاكمة بل إن الأمر وصل إلى حد أن الوزير الأول الجزائري هاجم الوزير الأول التركي لأن هذا الأخير ذكر فرنسا بجرائمها الوحشية في الجزائر.

التعليقات مغلقة.