محمد العربي زيتوت ضيف العدد على مجلة الصحراء الأسبوعية

419

محمد العربي زيتوت، دبلوماسي جزائري سابق و عضو أمانة حركة رشاد المعارضة
الجنرالات و أعوانهم من المدنين جنوا على الجزائر جناية لن يغفرها لهم التاريخ.

يعتبر عضو أمانة حركة رشاد و الدبلوماسي الجزائري السابق محمد العربي زيتوت أنّ السطلة القائمة الآن في الجزائر هي سلطة غير شرعية، كونها انقلبت على إرادة الشعب سنة 1992، ومنذ ذلك التاريخ و الإنقلابيون العسكر لا زالوا إلى اليوم هم الحكّام الفعليون للجزائر، بل لازالوا يرابطون في مناصبهم إلى الآن. أما مؤسسة الرئاسة المدنية فلا تعدو أن تكون واجهة للتزيين، حيث يرى العربي زيتوت أنّ الجنرال العربي بلخير، و الجنرال محمد مدين المدعو توفيق قائد جهاز المخابرات الجزائرية كان لهما دور بارز في إقناع الجماعة العسكرية بقبول وضع بوتفليقة رئيساً للدّولة كواجهة للجنرالات. لكن حبل الود لم يستمر طويلاً، بحسب زيتوت، إذ طفت على السّطح خلافات و صراعات بين أجهزة الحكم الفعلية و الصورية، وصلت حد تهديد بوتفليقة بالإستقالة و اللجوء إلى الخارج. هذه الصراعات الطاحنة داخل كواليس صناعة القرار، جعلتهم – كما تفعل الأنظمة الإستبدادية – يبحثون عن عدو خارجي يسمح لهم بتمرير أعمالهم وسياساتهم، و توجيه الأنظار نحوه، معتبراً أنّ الجنرالات عارضوا الشاذلي في نهاية الثمانينات عندما سعى من أجل قضية الصحراء؛ كما أنّها كانت من أسباب اغتيال الرئيس بوضياف، ليتّضح في الأخير أنّ العسكر ضدّ أي محاولة لحل الوضع بين الجارين الشقيقين.

1- أنشأتم حركة رشاد كما يوجد في الوثائق التأسيسية للحركة من أجل إنهاء حكم الاستبداد والفساد بالجزائر، كيف السبيل إلى تحقيق ذلك وأنتم تعلمون أن هذه الدولة يتحكم فيها الجنرالات بقبضة من حديد؟

حركة رشاد هي حركة مقاومة تستخدم أساليب اللاّعنف في عملية التغيير، وهي تدركُ جيّداً أنّ من بين أهمّ قواعد اللّعبة التي يستخدمها نظام الجنرالات لبسط قبضته الحديدية على الجزائر هي استخدام العنف بكلّ أشكاله، وخلق أعداء وهميين لتبرير الخطاب و السياسات القمعية لخنق المجتمع و العبث بالوطن.
إنّ قطع الطريق على عصابة الحكم بتجنّب الدخول في أجندتها العنفية، و مقاومتها بالطرق اللاّعُنفية من احتجاجات و عصيان و انتفاضات شعبية سلمية، تفوّت عليها كثيرا من مبررات وجودها وتضعف مخططاتها وتفضح زيف صورتها الخارجية التي يحرص على إظهار هيئتها من خلالها بمظهر النظام المتحضّر.

2- تعتبرون أن السلطة القائمة في الجزائر غير شرعية، كيف ذلك؟
لأنّها جاءت بانقلاب على الدّستور وإرادة الشعب، ولأنّها ظلّت ولا تزال تحكم بإرهاب الدّولة.
العسكر الذين قاموا بالإنقلاب على خيار الشعب عام 1992 مازال أكثرهم هم الحكام الفعليون في الجزائر، مثل الوزير المنتدب للدفاع عبد المالك قنايزية، و قائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح، وخاصّة الفريق محمد مدين المدعو توفيق قائد جهاز المخابرات. وهؤلاء ظلّوا في مناصبهم بشكل أو بآخر، وقاموا بتغيير عددٍ من الرؤساء، ورؤساء الحكومات وعشرات الوزراء و المسؤولين، بينما بعضهم لم يُغيّر حتى مكتبه.
إنّ السّلطة الخفية التي توجد المخابرات في قلبها، هي التي تستولي على الدّولة، وإن تنازلت عن البعض من نفوذها للواجهة المدنية.
ويقوم العسكر من خلف الستار بتزيين الواجهة كلّما دعت الضرورة لذلك، سواءاً بمهازل انتخابية أو بتعديلات دستورية غير شرعية وغيرها من أساليب إطالة عمر الإستبداد.
حتى العناصر العسكرية التي يبدو أنّها انسحبت من الحكم، مازال يربطها بدوائر التأثير الكثير من الأواصر ومازالت تتدخل في إدارة دفّة الحكم بما هيمنت عليه من مصالح و ريع اقتصادي خلال التسعينات، إضافة إلى أنّه قد تمّ ترقية عدد مُهم من الضبّاط الذين تورّطوا في حمام الدم الجزائري إلى رتبة جنرال، وهكذا يتمّ تأمين استمرارية السيطرة على السلطة بنفس نوعية الأشخاص وإن تغيّرت بعض الأسماء.

3- كيف ستغيرون الأوضاع الداخلية للجزائر ومعظمكم يوجدون في المنفى، أي ما هي الوسائل التي ستمكنكم من تحقيق ذلك؟

رشاد هي حركة سياسية و شعبية سلمية لأعضائها ضمن إطار عام كل المرونة لتحقيق الهدف الرئيسي وهو التغيير الجذري لنظام الحكم، ومن هذا المُنطلق؛ فهدف حركة رشاد ليس له ارتباط بالأشخاص و لابمكان وجودهم، ما دام نشاط كل واحد فيهم يصبّ في مجرى الهدف الذي سطرته.

إنّ الإعلان عن تأسيس حركة رشاد في المنفى جاء بعد قناعة عميقة باستحالة إعلان ذلك من الجزائر في ظلّ الإغلاق السياسي و الإعلامي والقهر الشامل. إلاّ أنّ ذلك لم يمنع عناصر الحركة من التواجد داخلياً، ويشكّل التواجد الفعلي للحركة في الخارج امتداداً إعلاميا ونوعيا للنّشاط الذي سيتركّز في الدّاخل في الوقت المناسب.

أثبتت التجارب أنّ جميع محاولات التغيير الجادّة التي انطلقت من الدّاخل كان مصيرها الإجهاض بمختلف الطرق سواءاً بالإختراق و بالإستخدام أو بالإستنساخ أو بالإغتيال، أو بذلك كلّه.
وما يحدث للنّقابات المُستقلّة هذه الأيام هو آخر مثال على ذلك، بالرّغم من أنّ النّقابات المُستقلّة لا تسعى لتغيير النّظام أو حتى إصلاحه، وإنّما لتحسين ظروف معيشة العُمّال.

زيادة على المقاومة اللاّعنفية كما سبق الإجابة عنه،تستفيد الحركة كثيرا من تواجدها خارجيا بتوفير وإيصال الخطاب الإعلامي الضروري لنجاح عملية التغيير المنشودة.

نجحت السلطة المستبدة في الجزائر وإلى وقت قريب في احتكار الإعلام خفيفه وثقيله، غير أنّ ثورة الإتصالات الرّاهنة غيّرت كثيراً من المُعطيات، و الإعلام الموازي كمواقع الفيديو و مواقع المشاركة الإجتماعية و التدوين و المنتديات، إضافة إلى القنوات الفضائية، أفقدت السلطة ابتزازها وتضليلها السابق، غير أنّ هذه الوسائط الإعلامية الجديدة ما تزال غير متاحة بالشكل المناسب في الدّاخل، ولذلك تستفيد الحركة من تواجد أنصارها في الخارج وهم يستعملون هذه التقنيات لإيصال صوت الحقيقة إلى العالم، ولم يُفد السلطة إقدامها على حجب الموقع الرئيسي للحركة مؤخر، وهو أول موفع يتم حجبه في الجزائر . لقد أوجدنا طرق أخرى للتواصل مع الجزائريين في الدّاخل.

4- العربي بلخير من أكبر مهندسي النظام السائد، فهل رحيله سيترك فراغا في المشهد السياسي الجزائري؟

لا شكّ أن اضمحلال جزء من أشخاص النظام السائد له آثار سلبية على التوازنات الهشّة على الأجنحة المتشاكسة داخل النّظام، غير أنّ غياب بعض كبار مجرمي هذا النّظام ليس حلاً مادامت الأجهزة الأخطبوطية التي أقاموها تعمل و إن بشكل سيّء.
فداخل جهاز المخابرات تمّ شغل المناصب بأسماء أخرى لضبّاط تمّ تحضيرهم في مطابخ الفساد ودوامات العنف، حيث أنّ الجنرالات الذين يتمّ إستخلافهم في المناصب الشاغرة هم من عتاة المشاركين في إدارة المجازر و عمليات القتل المنظّم ضدّ الشعب الجزائري خلال عشرية التسعينات.

يتحكّم نظام المخابرات في التعيينات و المناصب العسكرية و السياسية و الوزارية، ولا يتمّ ترسيم أي منصب من المناصب العليا إلاّ بعد موافقة قائد المخابرات نفسه بعد ضمان استيفاء شروط الولاء التام للنّظام، و أن يكون المُعين في أي منصب مضمون الولاء مسبقاً لتورّطه في شكل من أشكال الفساد المالي و الأخلاقي أو يتحمّل مسؤولية مباشرة في عمليات القتل…بهذه الطريقة يكون خاضعاً و منفّذا لأي مهمّة قذرة يُؤمر بأدائها.
وفي هذا السياق يحضرني وصف أويحي لنفسه بأنّه “رجل المهمّات القذرة”.

وتنسحب هذه الآلية على أغلب الوزراء و المسؤولين و حتى مديري كثير من المؤسسات الإقتصادية والتربوية و الجامعات وغيرها من المناصب، بل حتى بوتفليقة نفسه لديه ملف حيث أنّه كان متابعا من مجلس المحاسبة لتورّطه في نهب ملايين الدولارات عندما تواجد على رأس وزارة الخارجية في الستينات و السبعينات وصدرت ضدّه أحكام جنائية، وقد أعاد جزءاً من المال المنهوب، ثمّ عفا عنه الشاذلي بن جديد بعد أحداث 5 أكتوبر 1988.

5- هناك من يقول أن تعيين بلخير سفيرا للجزائر في المغرب إنما هو من اجل إبعاده عن مركز القرار بالجزائر اثر خلافات مع الرئيس بوتفليقة، ما الدليل على صحة هذا القول؟

الصراع داخل أجنحة الحكم سمة من سمات السلطة القائمة، و يحدث أن يصل الصراع إلى ذروته فتتوصّل الأطراف إلى تهدئة الأوضاع بالقبول ببعض التنازلات لإبقاء التوازن، رأينا هذا مثلا في إقالة الجنرال بتشين و استقالة الجنرال اليمين زروال في سبتمبر 1998، بعد صراع حاد كان من بين مظاهره المجازر الرهيبة التي قامت بها فيالق الموت من أجل تكثيف الضغط على جناح الرئاسة حينها، ورأينا إقالة محمد العمّاري في أفريل 1992 ثمّ عودته إلى هرم السّلطة بعد اغتيال بوضياف.
فإبعاد العربي بلخير من قلب السّلطة بما فيها الإشراف على جهاز الرئاسة حدث بتوافق بين جناحي المخابرات و الرئاسة الذي كان كل واحد يريد أن يرثه، وفي الأخير تقاسما تركته وهو صانع الرؤساء ومهندس خراب الجزائر على حد سواء.

6- قبل إبعاد العربي بلخير إلى المغرب قرر بوتفليقة سنة 2005 أن يستقيل من منصبه، كيف ذلك؟

تعيين بوتفليقة على رأس السّلطة الظاهرية جاء بتوافق بين كبار الجنرالات بما فيهم بعض من كان بلا وظيفة رسمية، ولعب العربي بلخير الدّور الرئيسي في ذلك، وكان الهدف هو إنقاذ النّظام من الأزمة الدّولية و السُّخط الشعبي بعد المآسي التي خلّفتها السياسات الإستئصالية.

7 – هناك من يقول أن الأزمة التي تتخبط فيها الجزائر منذ 1991 أججها العربي بلخير، وكان له دور كبير فيها؟

لا يختلف العارفون بالشأن الجزائري على أنّ العربي بلخير وهو إبن أحد الـﭭيّاد الذين تعاونوا مع الإستعمار الفرنسي وجمعوا ثروة ضخمة من الأموال و الأراضي له الدّور الكبير في مأساة الجزائر أو أنّه في الحقيقة مهندس خراب الجزائر، وإنّه لأمر مؤسف أن يموت العربي بلخير دون أن يدفع ثمن إجرامه الطويل ضد الجزائر و الشعب الجزائري.
كان العربي بلخير هو حاكم الجزائر في ظلّ الشاذلي بن جديد الذي لم يدرك إلاّ مُتأخّراً أنّ بلخير قد أسّس إمبراطورية فساد خلال عشرية الثمانينات، مكنّته مع عصابة بقايا المُجنّدين في الجيش الفرنسي سابقاً من الإنقلاب على خيار الشعب في مطلع 1992.
وبطبيعة الحال فكلّ الدماء التي سالت بعد هذا التاريخ يكون العربي بلخير و مجموعته مسؤولون عليها أمام الله و أمام التاريخ وأمام الأمّة، حتى أنّ بوتفليقة نفسه اعترف في إحدى تصريحاته: “بأنّ أول عُنف هو الإنقلاب على اختيار الشعب”.

8- هل صحيح أن العربي بلخير هو من أتى ببوتفليقة إلى رئاسة الجزائر لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، هل يتعلق الأمر ببروز جناح آخر في المخابرات ضد العربي بلخير وتحالف مع الرئيس لإبعاد بلخير؟

لعب بلخير و الجنرال توفيق و صديق بوتفليقة تاجر السلاح الجزائري عبد القادر قوجتي دور في إقناع الجماعة العسكرية بقبول وضع بوتفليقة كواجهة للجنرالات للتغطية على جرائمهم و ما ارتكبوه في حق الشعب.
غير أنّ بوتفليقة وهو ضليع في المكر و العارف بمؤامرات الحكم، أجج الصّراع بين الجنرالات، ومع بداية العُهدة الثانية في 2004 كان قد تخلّص من قيادة الأركان، بقيادة الدّموي الفريق محمّد العمّاري، وما يُقارب من 20 جنرال آخر.
تمّ ذلك بمشاركة ومباركة المخابرات، حينها قرر أيضاً التّخلّص من ولي نعمته وصانع مجده العربي بلخير، وكان له ذلك بعد أن مارس ضغوطاً شديدة بما فيها التهديد بالإستقالة و اللّجوء للخارج. واستبدل بلخير بشقيقه السّعيد بوتفليقة الذي يقود جناح الرئاسة حالياً.

بوتفليقة بدأ يعزّز محيطه تدريجيا وتحوّلت عهداته إلى محاولة لبسط حكم أسرته و تكريساً للجهوية بتنصيب الكثير من أبناء منطقته في عدد من الوزارات التي سُمح له بها وفي مناصب أخرى عُليا في الدّولة..ورغم أنّه كان يتوقّع أن تكون له اليد الطولى على جهاز الأمن و الإستخبارات بعد أن تخلّص من الآخرين إلاّ أنّ الصراع على أرض الواقع أثبت أنّ الأمر أصعب بكثير.

9- ما مدى تأثير الصراعات الداخلية بين أقطاب الحكم في الجزائر على مستقبل الجزائر؟ وما فضيحة سوناطراط، واغتيل العقيد تونسي إلا نموذجا لها؟

نماذج الصراع بين أجنحة الحكم في الجزائر كثيرة و متواصلة منها ما يظهر للعلن ويلقى تغطية كبيرة مثل ما أشرتم إليها، ومنها ما يظهر على أنه تطوّرات عادية للأوضاع السياسية و الإقتصادية ولا يحظى بالإهتمام إلا من المتابعين المختصّين في الشأن الجزائري.

وهذه الصراعات أدّت في مراحل مُعينة إلى لجوء قطب من الأقطاب إلى اتخاذ الشعب رهينة و ارتكاب مجازر هي من أفضع ما يُمكن تصوّره.

فالصراعات التي أدّت إلى جرائم ضدّ البشرية، لم يكن من نتائجها فقط دمار هائل ضد المجتمع و الوطن و الشعب بما فيها مقتل ما يزيد عن مئتي ألف (200000) شخص أكثرهم من الأبرياء، بل تهدّد وجود الجزائر، وما قضية الساحل و الصحراء التي يتآمر فيها بعض جنرالات المخابرات الجزائرية من أجل تسهيل استيلاء القِوى الدّولية على مقدّرات الجزائر في الجنوب إلاّ مثالا واضحاً على التهديد الذي تشكّله هذه الصراعات و الأطراف المتورّطة فيها.

10- إلى متى ستظل المخابرات هي من يتخذ القرارات بينما الرئيس وظيفته فقط تنفيذها؟

ستظلّ الحال إلى ما هي عليه إلى أن يتغيّر النظام جذريا ونهائياً و تصير أجهزة المخابرات و الأمن و الجيش والرئاسة و جميع المؤسسات الأخرى – والتي هي الآن عبارة عن أجهزة – خاضعة للمساءلة القانونية من طرف ممثلي الشعب الحقيقيون المنتخبون بطرق شفافة.

عندما يقرر ممثلي الشعب ميزانية هذه الأجهزة وتُعرف اللوائح و الأنظمة التي تحكمها وآليات توزيع المسؤوليات فيها بكل شفافية، عندها سيكون للرئيس أيضاً دوره المحدد دستوريا فقط، وليس هذه العبثية التي نراها تنتشرالآن من أدنى مستوى في البلديات إلى أعلى مستوى في الرئاسة و الوزارات و أجهزة الأمن و المؤسسات الأخرى.

11- تقول في أحد حواراتك أن المخابرات الجزائرية تستخدم قضية الصحراء لذبح الصحراويين والجزائريين على حد سواء، ماذا تقصد بهذا القول؟ وكيف ذلك؟

يحتاج النظام الجزائري كعادة الأنظمة الإستبدادية إلى عدو يسمح له بتبرير أعماله وسياساته، وإلى توجيه الأنظار في اتجاهه. إنّها وصية ميكيافيلي إلى الأمير.
و الحق فإنّ النّظام الجزائري أبدع في صناعة الأعداء في الدّاخل و الخارج، وقضية الصحراء أعطته عدو خارجي نموذجي، وبغض النّظر عن ماهية القضية ورأينا فيها، فإنّ جنرالات الجزائر عارضوا الشاذلي في نهاية الثمانينات عندما سعى من أجل حلّها. و أحد أهم أسباب اغتيال بوضياف هو أنّه أراد حقّاً لإيجاد حل لقضية الصحراء لأنّها أصبحت خطر على المنطقة، ولا تستفيد منها إلاّ بعض الأنظمة و العصابات التي تكوّنت داخل هذه الأنظمة.
إنّ قضية الصحراء مثلها مثل قضية الإرهاب لابدّ أن تستمر لخلق حالة من عدم الإستقرار، تبرر لكبار عناصر النّظام السياسات و المنافع و العمولات، ولكنّها في نفس الوقت تخنق شعوب المغرب العربي الكبير التي هي في الحقيقة شعبٌ واحد.
فباسم الخطر الخارجي تُصرف سنوياً ملايير الدّولارات على أسلحة أثبتت الأيّام أنّها لا تُستخدم إلا ضدّ المُستضعفين. ملايير كان من الأولى أنّ تذهب إلى توفير ضروريات الحياة للملايين المُعذّبين غير أنّها تذهب لخزائن الإستكبار العالمي، وفي شكل رشاوي وعمولات لجيوب كبار الجنرالات.

12- تصنف العاصمة الجزائرية في ذيل العواصم الفقيرة جدا، كما أن الوضع كارثي في مختلف المناطق، لماذا هذه المفارقة رغم أن الدولة تحصل من ملايير الدولارات من عائدات البترول والغاز؟

على سبيل المثال حصلت الدولة على 84 مليار دولار سنة 2008، غير أنّ جزء من هذه الملايير لا تذهب أبداً إلى خزينة الدولة، وإنّما إلى حسابات في سويسرا، وفرنسا ودول الكاراييبي، بل حتى في البحرين و الإمارات.

زيادة على الفساد المستشري في جميع هياكل الدّولة، تتميّز الإدارة المُعيّنة بعقم التسيير رغم الكفاءات، فالميزانيات المخصصة لتنمية المدن بما فيها العاصمة؛ تتعرّض للإختلاس بعدّة طرق مما أدّى إلى توقّف عجلة التنمية وبروز ظاهرة ترييف المدن. حتى أنّ الإنسان يشعر وكأنّه في بلد مُحتل.
وهذا الأمر هو نتيجةٌ حتمية من نتائج الإستبداد، فقمع الحريات أضرّ بكافة نواحي الحياة وطال حتى حرية الإبداع و الإبتكار، و مُنحت مسؤوليات التسيير وعقود المقاولات بالمحسوبية و الرشاوى بدل إعطاء الأولوية لذوي الخبرة و المهنية.
إن ملايير الدولارات تفقد قيمتها عندما تقع في يد عصابات المافيا الحاكمة التي لا تستخدمها إلا في مصالحها الشخصية وتمويل صراعاتها، بل وفي إفساد أخلاق العائلة الجزائرية و المُجتمع بشكل عام.

13- تقول كذلك أن كبار ضباط المخابرات الجزائرية متورطين في علاقات مشبوهة، علاقات مع مجموعات إرهابية بالإضافة إلى المتاجرة في المخدرات ما الدليل على هذا؟

الأدلّة على تورّط كبار ضبّاط المخابرات الجزائرية في تأسيس الجماعات الإرهابية المسلّحة و تسميتها بالإسلامية أكثر من أن تُحصى، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

– شهادة النقيب في الجيش الجزائري أحمد شوشان حول طلب الجنرال كمال عبد الرحمن و الجنرال بشير طرطاق (وهما من المخابرات) منه أن يلحتق بالجماعة الإسلامية المسلّحة لنيابة أميرها جمال زيتوني و الذي كان واحدا من أعوانهم.

– شهادة العقيد محمد سمراوي (وهو من المخابرات سابقا) في كتابه: وقائع سنوات الدم، الذي أكّدت عدّة مصادر من داخل النظام نفسه صحّة 90% من الشهادات الواردة فيه.

– شهادة الضابط عبد القادر تيغا (من المخابرات) في كتابه: مكافحة الجوسسة الجزائرية: حربنا ضدّ الإسلاميين، وعبد القادر تيغا أورد بالتفصيل عملية اختطاف المخابرات الجزائرية للرهبان الفرنسيين من المدية ونقلهم إلى البليدة و دور مولود عزوت المدعو الحاج في العملية، هذا الأخير كان من أعوان المخابرات وفي نفس الوقت يرأس اللجنة الإعلامية للجماعة الإسلامية المسلّحةز

– تصريحات خالد نزار خلال شهادته في محاكمة الحرب القذرة بباريس عن قيام مخابرات الجيش باختراق الجماعات المسلّحة واستخدامها.

– شهادة الصحفي الجزائري المقيم ببريطانيا رضا حساين حول محاولة تجنيده من طرف المخابرات الجزائرية في منتصف التسعينيات في الجزائر العاصمة من أجل استقبال أموال التبرعات التي كان يجمعها أنصار الجماعات المسلحة في الجزائر، وكانت المخابرات الجزائرية تتسلّم أغلبها في حين كان يظنّ المتبرعون أنّهم يرسلون أموالهم لدعم “الجهاد”!.

– شهادة الصحافية نيكول شوفيار Nicole Chevillard في محاكمة رشيد رمضة و كيف حاولت المخابرات الفرنسية تجنيدها للقيام بدراسة حول العناصر التي يمكن استخدامها للضغط على الجنرالات في الجزائر، وما صرّح به لها ريمون نار مسؤول جهاز مكافحة التجسس سابقا بأنّ صديقه الحميم اسماعيل العماري قائد مديرية مكافحة التجسس الجزائرية أفضى له بأنّ جمال زيتوني أمير الجماعة المسلّحة قد أصبح واحداً من رجاله (أي رجال المخابرات).

– الدراسة المعمّقة و الموثّقة من الأنثروبولوجي البريطاني جيريمي كينن Jeremy Kenan الذي عاش في الجزائر على فترات منذ 1964 حول تآمر المخابرات الجزائرية في الصحراء و قيامها باختطاف الرهائن الأوروبيين عام 2003 باسم الجماعة السلفية للدّعوة و القتال، وذلك في كتابه الصحراء المظلمة The Dark Sahara الذي أزعج الجنرالات في الجزائر وفضح أساليبهم في التضليل.

وتبقى منطقة الصحراء و الساحل منطقة حيوية لنشاط المخابرات الجزائرية تحيك فيها المؤامرات على مقدّرات البلاد و خيراتها باسم مكافحة الإرهاب، كما تستخدمها في عمليات التهريب بمختلف أشكالها و أهمّها تهريب المخدّرات، التي تدرّ حسب إحصائيات أمريكية ما يزيد عن مليار دولار سنوياً. فمن المعروف أنّ كبار بارونات التهريب في الجنوب هم مرتبطون بالمسؤولين الأمنيين و يتمتّعون بحمايتهم و توفير الغطاء الأمني لهم. بل أنّ قائد النّاحية العسكرية الثانية، وقد كان من كبار أقطاب النّظام الذين شاركوا في الإنقلاب عُزل نتيجة الخلاف مع ضُبّاط آخرين حول من يسيطر على المُخدّرات في المنطقة الغربية.

14- هل يمكن أن تقدموا لنا قراءة على هؤلاء الجنرالات، ألا تعتقدون أنهم جنوا على الجزائر ومع ذلك لا زالوا مستمرين في غيهم؟

جنرالات الجزائر كثيرٌ منهم جاؤوا من الجيش الفرنسي أي أنّهم قاتلوا ضدّ شعبهم أيام الثورة المجيدة، هؤلاء تسببوا في دمار هائل ليس فقط بإقدامهم على الإنقلاب بل أيضاً بإقدامهم على سياسات استئصالية وسياسات لاشعبية أبعد ما تكون عن أخلاقيات المُجتمع الجزائري.
هؤلاء الجنرالات لم يكن بإمكانهم أن يحدثوا نموذجاً حتى على شكل النّموذج التركي، لأنّهم لم يكونوا يتمتّعون لا بالكفاءات المهنية ولا بالمستوى العلمي الذي يؤهلهم لإدارة البلاد، فهم لا يستطيعون حتى إدارة ثكنة بمستوى جيّد، فكيف يُمكن لهم أن يُديروا دولة شغلت ثورتها يوماً ما العالم أجمع.
إنّ هؤلاء الجنرالات وأعوانهم من المدنيين وغيرهم من عصابات المافيا التي تشكّلت لهم و بمساعدتهم جنوا على الجزائر جناية لن يغفرها لهم التاريخ وحسابهم عند الله عظيم.

محمد العربي زيتوت في سطور:

من مواليد 1963 بمدينة الأغواط؛
خريج المدرسة الوطنية للإدراة، قسم الدبلوماسية؛
حاصر على ماجستير في العلاقات الدولية؛
دبلوماسي جزائري سابق (آخر وظيفة شغلها كانت نائباً للسفير الجزائري بليبيا)؛
استقال من منصبه سنة 1995 احتجاجا على انتهاكات حقوق الإنسان، وانحراف النظام الجزائري منذ انقلاب يناير 1992؛
مقيم منذ 1995 إلى الآن ببريطانيا؛
ناشط سياسي وحقوقي،
عضو مؤسس لحركة رشاد الجزائرية الداعية إلى تغيير النّظام تغييرا جذرياً بطرق لاعنفية، واستبداله بنظام مدني راشد؛
منذ تخلّيه عن منصبه بتاريخ سبتمبر 1995 إلى الوقت الراهن، يبدي معارضة شديدة للنظام القائم في الجزائر، ويحمل المسؤولية لعصابة الجنرالات و الأمن العسكري؛
شارك في لقاءات كثيرة على قنوات فضائية عربية وعالمية بمختلف اللغات، كما ساهم بكتاباته في تنويه الرأي العام وكشف الحقيقة في الجزائر؛
أب لأربعة أطفال.

(أجري الحوار شهر أفريل 2010)

التعليقات مغلقة.