توفيق…الوطني

توفيق…الوطني…

يبدو أن الصراع الواقع في هرم السلطة بين الأجنحة المتشاكسة، قد أفرز، من بين ما أفرزه، بعض القوم الذين انبروا ليُدافعوا، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الفريق محمد مدين، المشهور بتوفيق، رئيس المخابرات منذ أكثر من23 عاما.

من بين هؤلاء، “صحافيون” و”سياسيون” و “ضباط سابقون”، وقدكتب أحدهم عن الجنرال فأطنب في شكره و بالغ في مدحه وأغدق عليه كثير من الأوصاف، ومنها وصفه له بالرجل الوطني.

وكم استفزني هذا الوصف…و تساءلت:
إ ذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وقد ساهم وشارك في فتح الجحيم على الجزائريين بانقلاب 11 يناير 1992، فأسقط رئيس وجمد دستور وألغى مجلس هو برلمان الشعب، كان في طريقه للإكتمال وقد انتخب، حقا وصدقا، من طرف الشعب.

إ ذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وقد أُعتقل – وقد كان على رأس المخابرات ولا يزال – عشرات الآلاف من الجزائريين في الأسابيع الأولى للإنقلاب، زُجّ بالكثير منهم في السجون وأغلبهم عُذب عذابا نكرا، وأرسل بآخرين إلى قلب الصحراء، حيث أجرت فرنسا الإستعمارية تجاربها النووية فأصيب أكثرهم بالسرطان على أنواعه، وحيث الصيف جحيما بالحر و الشتاء جحيما بالبرد.

إ ذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وقد شارك في إغتيال محمد بوضياف، الزعيم الثوري الذي ظلّ لاجئا في المغرب 28 سنة حتى استقدموه في بداية 1992، ليجعلوه على رأس الدولة ثم قتلوه بضعة أشهر بعد ذلك. وتوفيق الوطني…يكون على الأقل قد تخاذل في حمايته و لم يحفظ أمنه، وكانت المسؤولية الأولى في ذلك تعود له، والذي قيل أنه قتله كان عنصرا من عناصره.

إ ذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وقد ساهم في ظهور مجموعات مسلحة، واختراق مجموعات أخرى كانت قائمة، وبها ذبح عشرات الآلاف من الجزائريين، وأحيانا في مجازر مروعة، وقد تراكمت شهادات على هذا الواقع ، بما فيها شهادات أولئك الذين كانوا ضباطاً في نفس الجهاز.

إ ذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني… وقد كان اسماعيل العماري من أخلص رجاله وأبرز نوابه، و هو القائل بأنه كان “مستعد لقتل ثلاثة ملايين جزائري لكي ننقذ الجمهورية”.
ومن بين نوابه وأخلص رجاله أيضا الجنرال بشير طرطاق، وقد كان يقتل بيديه وغني عن التذكير ما كان يقوم به من تعذيب مروع لكثير من الجزائريين في بن عكنون وغير بن عكنون.
من بين نوابه وأخلص رجاله ،أيضا، الجنرال جبار مهنا، الذي كان يدير التعذيب في منطقة البليدة وساهم في المجازر و الإغتيالات و الإعدامات…
وآخرين كثيرين من أجرم ممن وُلد على أرض الجزائر من بشر.

إذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني… وقد ساهم في استقدام بوتفليقة ووضعه على رأس الدولة، وهو الذي يعلم أن بوتفليقة فاسد وسارق وناهب للأموال، ناهيك على أنه كان متورط في الإغتيالات و المؤامرات و إنقلابات الستينات، ومع ذلك كان من بين الذين أتوا به ووضعوه على رأس الدولة، ومن الذين ناصره في 2004، و من الذين إغتصبوا له الدستور في 2008 ليستمر على رأس الدولة.

إذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني… وقدكان يعلم أن الذين جاء بهم بوتفليقة مثل شكيب خليل وطمار وزرهوني وغيرهم كثير… كانوا فاسدين ولصوص ينهبون و يختلسون بملايير الدولارات ،و مع ذلك حفظ الملفات و لم يحركها، إلا عندما دخل في صراع مع بوتفليقة و جناحه، وكان يعلم أن النهب مستمر في تلك الفترة.

إذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وكل الذين تولوا مناصب وزارية، و كل الذين يتولون مناصب مهمة في الدولة، بما فيها القضاء وبما فيها البوليس وبما فيها الدرك وبما فيها الإدارة وبما فيها الدبلوماسية، يجب أن يتلقوا الموافقة المبدئية والأولية لأجهزة توفيق الوطني…هؤلاء كلهم يكون توفيق قد ساهم معهم في تخريب هذا الوطن.

إذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وهو الذي ساهم في خراب الإقتصاد…وساهم في خراب التعليم… ويكفي أن أحد أقرب المقربين إليه وهو بن بوزيد، وزير التربية السابق، ظلً في منصبه لما يزيد عن 18 سنة، فخرًب المدرسة الجزائرية خرابا عظيما.

إذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وهو من الذين ساهموا في تحطيم المجتمع، تحطيم مؤسساته، تحطيم إمكانياته، تحطيم تنظيماته، تحطيم جمعياته، بتدخل المخابرات في كل صغيرة و كبيرة في حياة الجزائريين.

إذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وهو الذي فتح الأجواء للأمريكيين يعبثون في سماء الجزائر كما يشاؤون، وجنودهم يطؤون أرض الجزائر متى يريدون، وقواعد متحركة يأتون لها متى يرغبون…وقد فُضح كل ذلك وأكثره في وثائق ويكيليكس.

إذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وهو الذي ساهم، مع بوتفليقة ومع آخرين، بفتح الأجواء الجزائرية للطائرات الفرنسية لقصف شمال مالي، وللمرور عبر الأجواء الجزائرية في العلن، وبدون حدود ولا قيود، كما قال وزير الخارجية الفرنسي.

إذا كان الجنرال توفيق، هو الرجل الوطني…وهو الذي ساعد الفرنسيين على احتلال مالي ليس فقط عن طريق فتح الأجواء ولكن أيضا عن طريق غلق الحدود، وعن طريق الدعم اللوجستيكي وعن طريق الدعم المخابراتي وعن طريق وجود عناصر جزائرية تعمل لصالح الفرنسيين…وقد كشفت كل هذا صحافتهم.

توفيق الوطني… ومن معه، جرائمهم لن تحويها المجلدات ولن يكفى للحديث عنها الأشهر وربما السنوات…
توفيق الوطني ومن معه من من عسكر و مدنيين خربوا هذا الوطن…
زرعوا فيه الرعب و الخوف والإرهاب في التسعينات…
ثم النهب و الفساد و كبار اللصوص والسراق …
و زرعوا اليأس و البؤس و الإنتحار…
وهاهم أغلب الجزائريين يريدون أن يفروا من وطنهم…وهاهم كثير من الشباب يتشردون ويتيهون عبر بلاد العالم، هروبا من وطن جميل وكبير، وقدأصبح جحيم، وهو الذي من أجله مات الملايين عبر التاريخ.

توفيق الوطني و من معه من عسكر و مدنيين، حتى و إن مدحهم عبيدهم من المستفدين، ستلاحقهم لعنة الشعب الجزائري وستلاحقهم لعنة الإنسان و ستلاحقهم لعنة التاريخ…
قبل ذلك وبعد ذلك، فإن حساب الله الذي لا يظلم عنده أحد سيلاحقهم، و تلك هي اللعنة الكبرى.

محمد العربي زيتوت