عن عمر جاوز القرن بعامين، توفي اليوم الجمعة 4 أوكتوبر 2013، الجنرال جياب أحد أبطال البشرية، الذي إنتصر، مع رفاقه البواسل، على إمبرطورتين إستعماريتين، من أعتى الإمبرطوريات في التاريخ.
فلقد خاض، تحت قيادة هوشي منه، وبدعم صيني-سوفياتي، حرباً ضروسا مع الولايات المتحدة، كانت أطول زمنا وأشد عنفاً، من تلك التي هزم فيها الإمبراطورية الفرنسية.
فالولايات المتحدة التي رفضت التسليم بإستقلال فيتنام موحدا، وتنكرت لإتفاقية جنيف التي كانت قد رسمت الطريق لذلك، وإعتقدت أنها ستبقي جنوب فيتنام ضمن النفوذ الغربي في تلك المنطقة البالغة الحساسية، والقريبة من الصين و الإتحاد السوفياتي على حد سواء، إنغمست في معركة غير متكافئة، وهي القوة الأكبر في العالم، ضد شعب مستضعف كانت قد طحنته حربا إستعمارية سابقة.
فكان حجم القوات الأميركية المقاتلة في جنوب فيتنام، بالإضافة إلى الأساطيل والقوات الجوية التي شاركت في الحرب، على الجنوب والشمال على حد سواء، قد وصل الى زهاء نصف المليون عسكري أميركي في أواخر ستينات القرن العشرين.
إضافة إلي دعم متعدد الأوجه من كوريا الجنوبية وتايلند وأستراليا ونيوزيلندا والفلبين، الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة، وعلى ما يزيد عن مليون من المجندين من جنوب فيتنام التي كانت قيادتها موالية للغرب و تابعة له.
و على الرغم من عدم التكافئ العسكري و المادي بين الطرفين، وعلى الرغم من إمتداد الحرب زمنيا لما يقارب 15 عاما، إلا أن إرادة الشعب الفيتنامي، الذي كان قد فقد زعيمه الأبرز، هوشي منه في 1969، إنتصرت على القوة الغاشمة، حينما دخلت قوات التحرر الفيتنامية عاصمة الجنوب في أواخر أبريل عام 1975، واضطر السفير الأميركي وطاقمه إلى الهرب من سطح سفارته بطائرات الهليكوبتر.
و لُيعلن عن إستقلال فيتنام و توحدها في 17 يونيو1975.
قبل بأكثر من 20 عاما من ذلك التاريخ، كان الجنرال جياب، ومن معه من الثوار، قد مرغ جيش الإمبراطورية الفرنسية في الوحل، في المعركة الشهيرة بإسم ديان بيان فو، في 7 ماي 1954، بعد حصار دام أكثر من 56 يوما لعسكر فرنسا في تلك المنطقة.
و هي المعركة التي كانت فارقة في تاريخ الحرب، حيث إعترفت فرنسا بهزيمتها المدويةو برحيلها المحتوم من الهند الصينية.
و هي أيضا المعركة التي ستلهم أحرار الجزائر، وتؤكد لهم أن شعبا يريد الحياة، مصمما على المقاومة وآخذا بالأسباب، هو شعب منصور و منتصر لا محالة.
الجزائريون الذين كانوا قد أُقحموا عنوة بالألآف، إلى جانب آلاف آخرين من مستعمرات أخرى بما فيها المغرب، إلى جانب فرنسا في تلك الحرب الغاشمة والظالمة.
و قد قتل الكثير من أبناء المغرب الكبير في تلك الحرب و إنضم البعض إلى الفيتناميين، و أما من عاد من الجزائريين فقد إمتلأ إعجابا بأولئك الفلاحين البسطاء من “الشناوة”، الذين هزموا الإمبراطورية الفرنسية التي غزت الهند الصينية وإحتلتها، كما إحتلت أوطان أخرى وألغت وطنهم، الجزائر، من الوجود و إستعبدتهم لما يزيد على قرن من الزمان.
كما إكتسبوا خبرة عسكرية و حربية، ستكون مفيدة للغاية بعد أشهر من ذلك التاريخ، حين يعلنوا صرختهم الكبرى:
” يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
و طويناه كما يطوى الكتاب
يا فرنسا ان ذا يوم الحساب
فاستعدي وخذي منا الجواب”.
ولقد زار الجنرال جياب الجزائر بعيد الإستقلال وإلتقى بعض كبار الثوار، و الصورة تبرز لقاءه بأحد أبطال الجزائر، قاهر الإستعمار الفرنسي وأصغر عقيد في الثورة، محمد شعباني الذي أعدم، ظلماو غدرا، في أوت 1964 و لما يتجاوز الثلاثين من العمر.
المغرب العربي الكبير