رسالة مفتوحة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين| د. مصطفى ابراهامي

1٬137

بسم الله الرحمـن الرحيم

من أخيكم ومحبكم مصطفى ابراهامي

إلى شيوخنا الكرام وإخوتنا وأخواتنا الأعزاء بـ

جمعية العلماء المسلمين بالجرائر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بحزن كبير وأسى عظيم اطلعنا على البلاغ الذي نشرتموه يوم  19سبتمبر 2019في صفحتكم على FBالقاضي بموافقة الجمعية أن تكون عضوا في السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات (هذا اسمها وادعائها) ولقاء الجمعية من قبل بلجنة الوساطة والحوار التي يرأسها كريم يونس. وكلتا اللجنتين من وحي وإيعاز وتركيب النظام العسكري وبالخصوص أركان الجيش الجزائري كما يلاحظه كل مُبصر.

وكل يعلم ويرى ـ اليوم أكثر مما مضى من الأيام والسنوات السابقة ـ أن قيادة الجيش هي المتحكمة فعلا في النظام في الجزائر منذ فجر الاستقلال وأنها سبب كل الأزمات السياسية والاقتصادية بالبلد. وأصبحالأمر جليا منذ بداية الحراك حيث يتحدث ويقرر قائد الأركان ما يشاء خرقا للدستور الذي يتحدث باسمه! فيأمر بإلقاء القبض على من يشاء وغلق أبواب العصمة. وخرقا للدستور يُنصّب لجنة الحوار وهذه السلطة للانتخابات وجَعل على رأسيهما رجال من النظام السابق!

كيف يمكن لنا أن نفهم موقف الجمعية والتي وضع فيها آلاف من الناس آمالهم من أجل أن يرجع للإسلام مكانته في جزائره الحرة الأبية؟ ما الذي تغيّر في الوضع الجزائري من قبل 8 أشهر حتى تنضم الجمعية بجانب النظام العسكري بالجزائر؟ إن الجمعية تلاحظ كما يلاحظ كل واحد وبدون عناء أن:

  • وسائل الاعلام لا تزال تحت الأوامر خادمة للنظام.
  • أحزاب النظام لا تزال تصول وتجول وتصوت في البرلمان.
  • نفس الشخصيات من وزراء ومدراء لا يزالون في المناصب أو تعطى لهم مناصب جديدة (مثل لجنة الحوار وهذه اللجنة للانتخابات)
  • نفس الأعمال الشنيعة للنظام باقية مثل توقيف الشخصيات المستقلة بدون سند قانوني سليم برغم سلمية الحراك الذي لم يتأذ منه بشر ولا شجر ولا حجر ولا حيوان.
  • نفس الجهاز القمعي والعدلي لا يزال يعمل تحت الأوامر. فلا استقلالية للعدالة.
  • الدستور تحت أقدام هؤلاء الذين ينادون باحترامه!

حقيقةً حدَث توقيف مجموعة من الرموز السابقة للنظام. ولكن تمَّ سجنهم لتزعزع الاستقرار داخل منظومة الحكم وكان يجب على طرف أن يزيح الطرف الثاني حتى يتمكن من البقاء والسيطرة الكاملة على الحكم ونهب أموال الأمة. ما سجنوهم لأنهم أساؤوا للجزائر أو أنهم أفسدوا أو أنهم ظلموا.وخير دليل أن الجزء الثاني من العصابة لا يزال زمام الأمور والقوة والفساد بين يديه. فما سجنوهم لتوقيف الحقرة فإنها لا تزال قائمة! وما سجنوهم لأنهم رهنوا مصالح البلاد تابعة لمصالح خارجية لأن التبعية لا تزال قائمة! وما سجنوهم لأنهم يحاربون الفساد فلا تزال شبكتهم المفسدة قائمة!

وأخطر من كل ذلك فإن النظام العسكري يحاول زرع الفتنة بين فئات الشعب ومكوناته بالحديث عن الزواف رسميا في التلفزة الوطنية! وما أخطرها وما ألعنها من خطوة تمزيق أمة على أسس الجاهلية.

أمام كل ذلك هل تريد جمعية العلماء أن تندفع مع هذا النظام؟ هل تريد أن تزكي مساعيه وممارساته؟ هل تريد الجمعية أن تبيِّض وجه النظام وتعطي له شرعية دينية؟ لعل الجمعية تقول أنها تريد الخير للبلاد والعباد لأنها تخاف على مستقبل البلاد! ولكن ليس هذا هو السبيل لأن الخير الحقيقي للبلاد والشعب الجزائري أن يصبح حرا في اختيار حكامه وسياساتهم فيقبل هذا ويرفض الآخر!

هل يمكن لعلماء المسلمين وأتباعهم أن يقبلوا الظلم والفساد وتقسيم البلاد وسجن الأبرياء وإهدار أموال الأمة ودس حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره؟

هل يمكن للجمعية أن تقولأنها تريد الخير للعباد والبلاد بدعم عصابة من ظلمة وفساد ونهابين؟ كيف يمكنها أن تقف بين يدي الرحمـن غدا يوم القيامة وأمام الشعب الجزائري وهي تقف في صف الظلم والجور والفساد؟ حشاكم أن تقفوا بمثل هذا الموقف، وحاشا للإسلام أن يكون يوما بجانب الظلم.

بأي صفة تريد الجمعية أن تُسجّل نفسها في التاريخ؟ وقد قام الشيوخ البشير الابراهيمي والعربي تبسي وجمعية علماء المسلمين بالوقوف المشرف مع الشعب الجزائري حين قامت الثورة ضد المستعمر الفرنسي رغم اختلافاتها الكثيرة مع حزب PPA-MTLD   وأنهم لم يعرفوا حينذاك هؤلاء الشباب الذين بدئوا الجهاد. فانضموا لصفّ الشعب الثائر بدون مناقشة لأنهم أدركوا الحقيقة. وكانوا محقين في موقفهم التاريخي هذا.

فإننا نعتبر ـ أنا وبعض الإخوة والأخوات ويعلم الله المكانة العزيزة لجمعية العلماء المسلمين في قلوبنا ومشاعرنا ـ أن هذا الموقف الأخير للجمعية خطوة خاطئة وليست موفقة لأنها تضفي شرعية للاشرعية ولقهر شعب بأكمله ولا يمكن للإسلام أن يضفي شرعية للظلم مهما كان ومهما كان مرتكبه. يريد الشعب الجزائري أن يخرج من نار العبودية ومن نار الظلم والفقر والحقرة. وإنكم على علم بالحديث الذي يروي أن الرسول الأكرم ﷺ أمّر رجلا على سرية وأمرهم بطاعته. وحدث أن غضب الأمير على المجموعة فأمرهم أن يجمعوا حطبا ثم أبرم فيه النار وأمرهم أن يدخلوا النار! وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مِنَ النَّارِ. فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال : « لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ.» (البخاري (4340) ، ومسلم (1840)

ويقول الله تعالى:

﴿ وَلاَتَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ [هود : 113]

قال الإمام ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية بقوله : ” الركون : الميل والموافقة ، فبعد أن نهاهم عن الطغيان نهاهم عن التقارب من المشركين ، لئلاّ يضلّوهم ، ويزلّوهم عن الإسلام. وهذه الآية أصل في سدّ ذرائع الفساد المحقّقة أو المظنونة.” (التحرير والتنوير (11 / 341)

قَالَ الـمُحَقِّقُونَ: الرُّكُونُ المَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الرِّضَا بِمَا عَلَيْهِ الظَّلَمَةُ مِنَ الظُّلْمِ ، وَتَحْسِينُ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ وَتَزْيِينُهَا عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ وَمُشَارَكَتُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ.

ونعتقد أن الجمعية إذا أرادت أن تبقى وفية لمقاصدها النبيلة مقاصد الجمعية الأم جمعية الشيوخ ابن باديس والابراهيمي والعربي التبسي وأحمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني والآخرين فإن الأمر يستوجب أن تتشرف بنفس المواقف والمبادئ : لا للظلم لا للفساد لا للحقرة نعم لاستقلال حقيقي للشعب الجزائري في اختيار حكامه.

لكل هذه الأسباب أطلب منكم مراجعة موقفكم وألا تعطوا شرعية لمن ليس له شرعية ولا تزكوا انتخابات ينظمها النظام الحالي المعروف بتزويره ومحاولة إعادة النظام بوجه آخر. ونطلب منكم أن تكونوا مع الشعب في مطالبه المشروعة الذي يعبر عنه الجمعات المتتالية وكل ثلاثاء بل الأجدر بالجمعية أن تكون في الصفوف الأولى رجالا ونساء طلابا وشيوخا.

وما موقفنا الناصح هذا بغريب لأنه ناتج من واجب النصيحة وهي مسؤولية ملقاة على عاتق كل واحد من:

عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺقَالَ : « الدِّينُ النَّصِيحَةُ.» قُلْنَا لِمَنْ ؟ قال : «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْـمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.» (مسلم 55)

وموقفنا الناصح هذا انطلق كذلك من موقف تعلمناه من أستاذنا مالك بن نبي -وكان حينها طالبا بباريز-  حين تعجب لموقف جمعية العلماء في 1936  حينما زار وفد الجمعية بباريز وقد اتحدوا ضمن ما يسمى بالمؤتمر الإسلامي الجزائري مع الحزب الشيوعي الجزائري وقيادات أخرى مثل فرحات عباس وبن جلون وقد جاؤوا لباريز للمطالبة ببعض الحقوق الجزئية البسيطة للسلطات الاستعمارية الفرنسية. فغضب أستاذنا مالك وكتب مقالا قويا ذا كلمات مؤثرة بالغة ضد ذلك المسعى الهزيل والذي لم يكن يعبر عن الموقف الإسلامي الشامخ المبدئي والذي كان مناقضا لمبادئ الجمعية.  وقد راجعت الجمعية نفسها وموقفها بكل شجاعة قبل وأثناء حرب التحرير وكذلك بعد الاستقلال مع المواقف المشرفة لهم.

ونحن واثقون بأن تعدلوا موقفكم حتى يكون مع المطالب الشرعية والمشروعة للشعب الجزائري والمبادئ والمقاصد الكبرى للجمعية.

د. مصطفى ابراهامي

التعليقات مغلقة.