اما ان نكون الكل عدو الكل أو نكون الكل يكمل الكل – الحر علي
اننا في مرحلة من تاريخ الأمة اقل ما يقال عنها حرجة مخرجاتها مصيرية لاننا كمجتمع نواجه تهديد بمستويين مرتبطين ببعضهما البعض بحيث نجاح الاول يكمل الثاني كما ان فشل الاول يعني فشل الثاني بالضرورة .
التهديد الاول و هو المعنوي يراد به وأد الثورة باستغلال وباء الكورونا
التهديد الثاني و هو مادي ممثل في خطر الفناء الكلي بسبب الوباء .
قامت الثورة لإعادة الاشياء لطبيعتها بعدما اصبح الانحراف الحاصل عائق استحالة معه الحياة الطبيعة للفرد الجزائري رغم كل المؤهلات و الامكانيات للعيش بشكل طبيعي . ان الثورة بمشروعها النهضوي اعاد الامل الذي فقد منذ زمن ، انها مشروع العقد السياسي بين الحاكم و المحكوم بين المجتمع ككل و السلطة تكون فيها قواعد اللعبة مكشوفة و واضحة متفق عليها من الكل و يكون فيها الشعب سيد نفسه لأنه صاحب القرار الاول و الاخير فيما يخص مصيره و مصير الاجيال القادمة .
لقد استجدت هذه الازمة و هي الامتحان الحقيقي لما ابانه المجتمع الجزائري خلال سنته الثورية الاخيرة من قابلية للنهوض بالبلد و ما واجهتها من تحديات ، اهمها التحدي الموضوعي المسمى الثورة المضادة التي تعمل بمكنيزمات النظرية الاستعمارية الاشهر ” فرق تسد “. انها ازمة سائرة نحو محو كل اشكال الدولة لان مناعتها أضعف من ان تقف أمام وباء شامل قاتل ، بحيث سيجد الجزائريون انفسهم امام تهديد مادي وجودي حقيقي وحدهم بدون اي نظام سياسي مركزي أو بعبارة أخرى ان الوباء سوف يعيدهم لمرحلة ما قبل الدولة المعبر عنها ( الكل عدو الكل / توماس هوبس ) و التحدي هو ( الكل يكمل الكل / العقد الاجتماعي الجديد ) .
لقد ابان المجتمع الجزائري على إستعدادات هائلة خلال ثورته لبناء عقد اجتماعي ” عقد يكون بين المجتمع و نفسه او هو عقد بين أفراد المجتمع فيما بينهم ” ترتكز عليه كل أشكال الحياة خصوصا السياسية بحيث يصبح المرجعية الاساسية لشكل السلط و علاقتها بالمجتمع ان ( السلمية / الامن ) و ( الوحدة / الشعب الواحد) و( التضامن الثوري / الكل يكمل الكل) كانت و لازالت الضمانة الوحيدة لاستمرارية امة إسمها الجزائر .
▪︎نظام لا شرعي ينخره سرطان الفساد قد تعفن و للأبد عجز عن مواجهة المشاكل اليومية للمواطن من غذاء و ماء . سكن و عمل لا يمكنه بأي حال من الأحوال مواجة ما عجزت عنه انظمة شرعية قوية فاعلة تاريخيا .
▪︎نظام بيروقراطيته عطلت الحياة اليومية للناس عطلت المؤسسات عطلت الاقتصاد الوطني عطلت تكوين الفرد العلمي لن يمكنها مواجهة ظرف طارئ يستلزم مرونة كبيرة و ذكاء في التسير و حزم للدولة بصفتها المالك الوحيد لادوات القهر و العقاب.
▪︎نظام فقد أهم كلمة في خطبه للشعب و هي كلمة الثقة لن يستطيع اقناع الناس بأنه سيكون في مستوى التهديد القادم .
▪︎نظام لا يأتمن على نفسه من احد عقيدته الامنية تستهدف المجتمع بصفته هو التهديد الاول لوجوده بما في ذلك قوات أمنه لن يصمد طويلا أمام فك الارتباط الكلي من طرف المجتمع .
لقد عاش الجزائري خصوصا في الثلاث عقود الاخيرة عيشة ( الانسان ذئب لأخيه الانسان ) من خلال حالة اللاامن و اللااستقرار و اللانظام الدائمة التي ادخلتها العصابة في حياة المواطن او الفرد فلم يعد يأتمن الصحة على صحته فإتجه أحيانا لمرادفات لها كالشعوذة او الطب الشعبي … لم يعد يأتمن التعليم فإتجه باولاده الى الدروس الخصوصية … لم يعد يأتمن العدل فاتجه نحو الرشوة مجبر او مخير و من لم يستطع ضاع حقه … فقد الأمن و الأمل كما فقد الاستقرار بحيث ان غالبية الساكنة للبلد تفكر للهجرة خصوصا شبابها … اما النظام كمؤطر للحياة فلا يخضع له الفرد الا ان اجبر على ذلك فبدأ ينحصر شيء فشيء حتى أصبح ممثلا في القوة الامنية و بعض الدوائر الحكومية غير ذلك فالحياة مشاع استولى على ما استطعت . فمنهم من ذهب للاحتكار كوسيلة للاسترزاق و منهم من ذهب للاستلاء على العقار و منه من كون عصابات لا تحمل السلاح انما مجموعة من القوانيين يكيفها كما يشاء لكي يخضع ضحياها … الخ
اصبحت الحياة جحيم للضعفاء نعيم للاقواء انها حياة الغاب البقاء للاقوى و القوة هنا مكتسبة و ليست فطرية ليس الذكاء انما الجبروت …..
الجزائر الى اين ؟
من خلال هذه الجمعة الأولى التي إلتزم فيها المواطنون بالاتفاق المبرم بين عموم الثوار على عدم الخروج و تعليق المسيرات ، معلنين بذلك عن كتلة بشرية فاعلة امتازت منذ اليوم الاول من هذه الثورة بروح للمسؤولية كبيرة و بوعي منقطع النظير قل مثيله في اعتى الديمقراطيات العالمية فإنه أي الحراك يكون الجسم البشري الوحيد المنظم و المنسجم فيما بينه خارج الأطر التقليدية للدولة كالاحزاب او التنظيمات او الجمعيات …..الخ . هذه الأخيرة اي الدولة و لا أقول النظام فقط كجزء من تكوين الدولة مهددت بالانهيار الكلي و في القريب العاجل اذ هي إستمرت في معالجتها للمستجدات ممثلة اولا في الثورة ثم هذا الوباء بعقلية القرن الماضي . ان النظام المفروض منه ان يكون جزء من الحل اصبح جزء من المشكلة بتلك البيروقراطية القاتلة بالانقطاع الشبه كلي عن الواقع بهواجسه القديمة المتجددة المتمثلة في خوفه الدائم من الشعب . و منه سيتأتي ذلك القرار الشعبي الحاسم مثلما قرر تعليق المظاهرات عاجلا ام اجلا سيقرر إزاحة النظام من طريقه بإعتباره جزء من المشكلة يقف بينه و بين مواجهة الوباء بنجاعة تتيح لنا تفادي الفناء الكلي .
التعليقات مغلقة.