لكريم السلامة قبل الحرية / نجيب بلحيمر

606

كريم طابو يجب أن يبقى في السجن.. هذا هو القرار ولا تهم كيفية إخراجه.
قبل يومين من استنفاذه عقوبة ستة أشهر حبس التي قضت بها محكمة سيدي محمد يوم 11 مارس تبرمج جلسة النظر في الاستئناف دون علم هيئة الدفاع، يقول أحد المحامين الذين التحقوا بمقر المجلس على عجل بعد ان علم بالأمر “قد تكون هذه أسرع برمجة لقضية استئناف في تاريخ القضاء الجزائري” لكن هذا التعليق قد يبدو بلا معنى لمن احترف التبرير، سنسمع في وسائل الإعلام، ونقرأ على منصات التواصل الاجتماعي من يقول من حق المجلس ان يبرمج القضية كما يشاء، فهو في سعة من الأمر ما بقي في إطار القانون.
في التفاصيل يجد كريم نفسه وحيدا في مواجهة القاضي، يطلب تأجيل المحاكمة لأن دفاعه غائب ولم يتم إخطار المحامين ببرمجة القضية، يرد القاضي بحزم: لن تؤجل القضية.
السياسي الذكي فهم ما يجري، لقد صدر قرار ابقائه في السجن.. لا يملك من الأمر شيئا لكن قلب المناضل يرفض الظلم والإذلال، يترنح الجسد تحت وقع الضغط.. الخبر السيء يتحول إلى بارقة أمل للمحامين الذين التحقوا بقاعة المحكمة، يطلبون لقاء النائب العام فيغلق الباب في وجوههم،أما القاضي فلم يتزحزح عن موقفه.. ستتم المحاكمة اليوم، ماذا يا سيادة القاضي عن المعني الذي يرقد في عيادة المجلس؟
لقد اعتقد المحامون، وهم الذين رأوا العجب العجاب، بأن الحالة الصحية الحرجة ستغلق الباب أمام المحاكمة وتؤجل القضية، لا شيء من ذلك حدث.. جرت المحاكمة في غياب متهم لا يعرف أحد وضعه الصحي، ودون مرافعات، نطق القاضي بحكم بالسجن سنة نافذة تبقي كريم في السجن إلى غاية 25 سبتمبر.. الان ينتقل الضغط الى مكان اخر، المحامي عبد الغاني بادي يختصر الأمر في جملة واحدة ” هذه المحاكمة شبيهة بمحاكمة العقيد محمد شعباني” تنطوي المقارنة على صورة مفزعة لردة تمتد على عقود.. لم يتغير النظام خلال العقود الستة التي تفصلنا عن المحاكمة الذي ضرب بها المحامي المثل، تغير المجتمع كثيرا لكن النظام قابع في مكانه يعاند حركة التاريخ بكل ما أوتي من قوة وغطرسة.
هذا الثلاثاء يوم حزين على الجزائر.. تكفي حادثة كهذه للإطاحة بكل ما يبيعه الخطاب الرسمي من أوهام عن الجزائر الجديدة، لا تلتزم الحكومة بعهد قريب التزمت من خلاله بتعليق كل المحاكمات الى غاية 31 مارس.. لو التزمت بالوعد لعاد كريم إلى بيته وعائلته بعد يومين.
كل هذا من أجل ماذا؟ ماذا لو خرج طابو من السجن يوم الخميس؟
كان سيعود إلى بيته، لن يجد أحدا في انتظاره عندما يغادر بوابة سجن القليعة، فالوباء لن يمنحه هذا الامتياز، وبعدها سيتحول إلى سجين في بيته بحكم شروط الإفراج المؤقت التي تمنعه من أي عمل سياسي يتراوح بين الإدلاء بتصريح والمشاركة في أي نشاط عام.. باختصار كان سيعود إلى زوجته وابنه وابنته ليعيش معهم الحجر الصحي فضلا عن الحجر السياسي الذي ستطول مدته.
في الخلاصة ما الفرق بين اطلاق سراحه وتمديد سجنه؟ الحرمان من البيت والعائلة الصغيرة فقط، وهذه العقوبة تتجاوز فلسفة العقاب برمتها، انها تتحول إلى عملية تدمير للرجل.. تدمير نفسي إذا سلم الجسد من ذلك السقوط الحر تحت ضغط قلب ثائر ضد الظلم.
يدفع كريم ثمن الإصرار على الانتقام منه، لكن الأمر يتجاوزه، الدولة أيضا تدفع الثمن، وجهاز القضاء، وتلك الثقة الهشة بين الحكم ومجتمع يسيطر عليه شعور بالغضب من خديعة استغل فيها الوباء، وقد نكون أمام شرخ قد لا يعلم مداه من جعل القرار ممهورا بحكم القضاء.
هذه المرة سندعو لكريم بالسلامة قبل الحرية.. نريده معافى وموعدنا الصبح، وإن الصبح لقريب.

التعليقات مغلقة.