تفعيل التعاون…ليس هذا وقت تصفية الحسابات وإنما لخدمة الوطن في مواجهة الوباء

53




يعرف الوطن ظروفا حرجة من جراء الوباء العالمي الراهن (كرونا 19)، وقد طال الوباء جهات عزيزة من وطننا العزيز المُفَدَّى، لهذا فالظرف الراهن، هو وقت إبراز قوتنا المعنوية العامة بامتياز، فنقدّم مصلحة الوطن على كلّ مصلحة، ونرجئ اختلافنا المشروع في ترتيب الأولويات السياسية، لأنّ الوطن معرّض لخطر الزوال لا قدّر الله. لهذا، نعتبر بعض التصرّفات خروجا عن نطاق خدمة الوطن، فكلّ من ضبط تردده على غير دفع هذه الجائحة في الظرف الحالي، ومعاونة أهلنا في الولايات المتضررة، يحوّل حقّه -إن كان صاحب حق- الذي يدافع عنه إلى باطل.

والعيش في كنف اختلافاتنا المشروعة حاليا في الظروف الراهنة، يُعَرِّض وحدة أهل الوطن الواحد في البذل لحماية أرواح أهلنا المتضررين إلى التشتت، تشتت في ظرف الوطن في أمسّ الحاجة إلى جهود الجميع موحدين لدفع هذا الخطر الداهم، لهذا نعدّ كلّ موقف عدائي من هذا الجهة أو تلك في الظروف الراهنة يتماس مع خيانة الوطن إن لم يكن هو كذلك في حقيقة الأمر.

لهذا، ليس من خدمة الوطن استغلال الفرصة لملاحقة أهل الحراك، لأنّكم بهذا التصرّف تشتتون وحدة البذل الجماعي لدفع الخطر، كما تعرَّضون وحدة جهود الجماعة الوطنية لنوع من السلبية القاتلة، كما أنّه ليس من الحكمة ملاحقة التقصيرات، فضلا عن القصور في اللحظة الراهنة، نحن كمجموعة وطنية مدعوون كلّ في قلعة مرابطته إلى التعاون الرصين حماية للوطن، إذ بتعاوننا ندفع التقصير والقصور، حفظا لأهلنا من هذه الجائحة القاتلة.

قال تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة: 2). نقل  سيدي عبد الرحمن الثعالبي في تفسيره الموسوم بـ”الجواهر الحسان” تفسير هذه الآية، قولا لأبرز علماء الجزائر اللذين يُعَدُّ أوّل شارح لصحيح الإمام البخاري، فقال (سيدي عبد الرحمن رحمه الله): قُلْتُ: قال أحمدُ بْنُ نَصْرٍ الداووديُّ المسيلي التلمساني: قال ابنُ عباس: البِرُّ ما أُمِرْتَ به، والتقوَىٰ ما نُهِيتَ عنه. انتهى ما نقله الثعالبي عن الداودي.

ونحن في هذا المقام أمرنا بالتعاون على البر وهو كلّ ما أمر الله به وهو الحسن، والامتناع عن كلّ فعل قبيح وهو ما نهى الله عنه، فما أَوْلَى الأعمال حاليا وما أحسنها، يا أهلنا؟، إنّه خُلُق التعاون على الخير، التعاون على الخدمة الجماعية للوطن، بخدمة أهله في المواطن التي هم بحاجة إلينا فيها جميعا، قال الشيخ سيدي عبد الرحمن الثعالبي: “وفي الحديثِ الصحيحِ: وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”، قال ابنُ الفَاكهانِيِّ، عنْد شرحه لهذا الحديث: “مَنْ سَعَىٰ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ المُسْلِمِ، قُضِيَتْ لَهُ أَوْ لَمْ تُقْضَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَكُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ”.

والوقت الراهن هو وقت خدمة الوطن، لهذا أخاطب الجميع بصرف النظر عن مواقفهم السياسية وبصرف النظر عن مناصبهم ومكاسبهم وما تعرّضوا من مضايقات قديمة أو راهنة، يا أهلنا أخاطب الجميع وفيكم المخالف والموافق على هذا الرأي أو ذاك، إياكم واستفزازات المراء على حق، أما المراء على الباطل فهو ظاهر البطلان، إذ لا يحتاج إلى دفعه أو إبطاله..وأقول مخاطبا الجماعة الوطنية: احذروا المناقشات الاستفزازية الابتزازية، إنّ أثاراها وخيمة على المجموعة الوطنية وعلى الوطن، فنحن بحاجة إلى رصّ الصفوف لدفع هذا الوباء المهدد للجميع.

ومَنْ أختار المراء في الظرف الراهن سيضيع حقّه إن كان صاحب حق، أمّا صاحب الباطل فلا تزيده المرافعة عنها في الظروف الراهنة إلاّ نزولا في دركات سحيقة في الباطل، لهذا ندعو جميع أهلنا إلى ترك النقاش سواءً كنت محقًّا أم لا؟ إنّ مَنْ هو على حق في الظرف الحالي، إن اختار المراء حاليا، ربّما يُلحق ضررا جسيمًا بحقه.

السبب ذلك هو ميلك عن تلبية نداء الوطن والميل إلى تصفية الحسابات بعنوان السلطة أو بعنوان معارضتها، الوحدة التضامنية والتعاونية مهما كانت الصوارف، لن يحيد عنها وطني صميمي في وطنيته، هذا مسلكنا لن نسمح بصرفنا عنه، ولن نميل عن الانشغال تلبية نداء الوطن، وبعد انقشاع هذه الغمّة فلكلّ مقام مقال.

يا أهلنا: إنّ عموم الناس لهم من الأجر بقدر الثبات على خدمة الوطن مرضاة لله في فترات حاجة أهله، ويزيد الثواب بحسب صبر الباذل على دفع المضايقات التي تريد صرفه عن قصد خدمة الخلق مرضاة للحق.

لهذا، نقول الثبات الثبات على خدمة الوطن، ولن يضيع خَدَمة الوطن.لنحذر جميعا من كلّ الاستفزازات الصارفة عن خدمة الوطن، الحذر من كلَ كلمة مشتتة لجهود الخدمة التعاونية، الحذر من كل ما يثير فتنة في الظروف الراهنة، وخاصة ما كان سببا في صرفنا عن خدمة الوطن.

ولتكن دعوتنا بالكلمات الجامعة التي تشعر بالأخوة العامة الباعثة على التعاون الشامل، بما ييسّر دفع الجائحة، تعاون في تضامن تام يبعث على القيام بالواجب التضامني ويحقق الاكتفاء الذاتي للوطن بأيدي كلّ أهله كلّ أهله ولصالح الجميع، فالجميع للجميع وبالجميع نحقق ما نصبو إليه.


كتب بواسطة :د.عمار جيدل / كاتب وباحث

التعليقات مغلقة.