الرقيب يصحح النقاش
تعيدنا حادثة غلق موقعي مغرب ايمرجون وراديو ام إلى أصل مشكلة الحريات، وسواء تعلق الأمر بالطريقة المستعملة في إسكات الموقعين أو بالتبرير الذي قدمته الحكومة لاحقا، فان ما جرى يؤكد حالة التناقض الجوهري بين منطق السلطة ومطلب التغيير.
لجأت السلطة إلى عملية حجب الموقعين اولا دون أي إعلان رسمي من خلال استعمال سلطتها على مؤسسة اتصالات الجزائر التي تحتكر تقديم خدمات الانترنيت، وهو نفس الأسلوب الذي استعمل ضد موقع كل شيء عن الجزائر في عهد بوتفليقة، مع فارق أساسي وهو أن السلطات في ذلك الحين رفضت التعليق على الحجب ولم تعلن عن أي موقف، وهذا يعني أن السلطة يهمها الهدف، وهو إسكات الوسيلة الإعلامية المستهدفة في هذه الحالة، بصرف النظر عن الطريقة، والامل هنا هو فرض واقع جديد تغيب فيه الأصوات المتهمة بالتشويش ويأتي التبرير او الصمت لاحقا لتكريس الواقع الجديد.
في الحالة المستجدة من الإغلاق اختارت وزارة الاتصال عن طريق بيان مرة، ومن خلال حوار للوزير مرة أخرى أن تتحمل مسؤولية قرار الحجب وتبريره حتى وإن كانت الحجج التي جاءت في البيان قد تم تجاهلها في الحوار رغم النقاش الذي اثارته في أوساط المهنيين الذين ردوا على تهمة التمويل الأجنبي بالوقائع والحجج.
اختار الوزير أن يحيلنا على القانون والقضاء عند تناوله لملف ممارسة الإعلام تحت الحكم الحالي، وتذكرنا هذه الإحالات بالخطاب الرسمي الذي كانوا يدعو معارضي بوتفليقة إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع إذا أرادوا التغيير وقد أنهى 22 فيفري هذا الأسلوب في المحاججة السياسية الذي يختزل سياسة فرض الأمر الواقع التي تمثل الأساس في سلوك السلطة منذ الاستقلال.
إن الإحالة على القضاء الذي تعترف السلطة بالحاجة إلى إصلاحه في العمق، ثم الإحالة على قوانين تنسب إلى “عصابة” ويجري العمل على استبدالها هو في حقيقته غلق لأبواب الحوار بفرض الأمر الواقع، فضلا عن أن تفضيل أسلوب الحجب على خوض معركة قضائية تحت عنوان القذف يتعارض مع أي قناعة بإخضاع الممارسة الإعلامية للقانون وحده.
لا يتعلق الأمر هنا بمحتوى الموقعين اللذين تعرضا للحجب بل بالحدود التي تضعها السلطة للرأي في الصحافة، وبمفهوم القذف كما تناوله الوزير، ثم إنه في النهاية يذكرنا بأن ضيق هوامش الحوار والاختلاف يعمق حالة التناقض الجوهري بين مشروع السلطة وجزائر الحريات التي جاءت السلمية لإطلاق عملية بنائها، وبإصرار السلطة على استعمال أدواتها التقليدية للهيمنة على المجتمع فإنها تعيد توصيف الوضع كتناقض مطلق بين نظام الحكم والمجتمع تتحول فيه مسائل من قبيل استقلالية القضاء وحرية الصحافة والتعبير والحكم الرشيد إلى قضايا تفصيلية يبقى حسمها مرهونا بتغيير جذري لنظام الحكم.
الصحفي نجيب بلحيمر
التعليقات مغلقة.