بين حقيقة الواقع و”حقيقة” المخابر
بين حقيقة الواقع و”حقيقة” المخابر
لم يفت أي مواطن أن سجل الهجمة الشرسة في الآونة الأخيرة ضد كل أحرار الحراك، واتهامهم تارة علانية وتارة غمزا، وتشويه صورتهم من خلال ربطهم بجهات أجنبية أو الزعم باحتوائهم من هذا الطرف أو ذاك، دون أن يكلف “المدعي العام” نفسه تقديم أي دليل، معتبرا أن مجرد إلقاء التهم يكفي لإدانة المتهم. طبعا لا يجهل المواطن هوية من يقرع البندير، ومن ينسق هذه الحملة الهوجاء للنيل من تماسك الحراك ووحدة صفوفه. نشهد منذ أسابيع تجديد أدلجة الصراع، وتوجيه الأنظار نحو “البعبع الإسلامي”، تماما مثلما فعلوا في التسعينات، عندما كانو “يحضرون” النفوس للانقلاب وإعدادها لمجازر ستكلف البلد ربع مليون نفس ودمار شامل، تحت راية “إنقاذ الجزائر” من “غول”، جريمته أنه حاز على ثقة الشعب الذي صوّت لأول مرة في حياته بقناعة وحرية، قبل أن يدفن هو وخياره في قبور جماعية تظل تحمل اسم “مجهول”.
ما نلاحظه في الآونة لأخيرة، هو عودة محمومة لمعزوفة تنبعث منها رائحة الموت، تعيد عزف مقاطع من اسطوانة مشروخة، تزعم أن الحراك يسيره الإسلاميون (بالنسبة لهم هذا وحده كافي لفتح أبواب جهنم على الشعب). تعمد هذه الأطراف الترويج للبضاعة “المعهودة” لأنها تدرك أن اتهام الحراك ككل أصبح بعيد المنال، ففضلوا وصم الجزء لقتل الكل، عن طريق التشنيع وزرع بذور الانقسام، وتوظيف كل “الطاقات” البشرية والمادية، من داخل أجهزة السلطة وخارجها، لتنفيذ أركان الخطة. يبذلون اليوم في مساعي محمومة، قصارى جهدهم، بعد إدراكهم عبثية المحاولة أثناء الحراك، عندما كان الشعب في الشراع، يصدع بحقيقة لا يمكن لحراس معبد “الديمقراطية” طمسها، وقد أبطلت الجماهير المنتفضة كل يوم من أيام الأسبوع ما نسجته مكينة التهويل والتضليل، من افتراء وبهتان لتفجير لحمة الشعب، على أساس عرقي ولغوي وإيديولوجي.
أدركت هذه المنابر ومن يسّير خطواتها، أنه طالما استمر الشارع يعج بالمواطنين وينبض بالحيوية والحركة، ستفشل كل محاولاتهم لتشتيته وزرع بذور التشرذم واليأس وسطه، لذا يعمدون اليوم ويستغلون الفراغ، لنشر ما لا يستطيعونه عندما يكون المواطن في الشارع، يسفه أحلامهم ويجهض مخططاتهم. هذا ما يؤكد لنا أن هناك “حقيقتين”، حقيقة الشعب المتجسدة في حياته اليومية، من آمال وآلام، وسعي إلى دولة العدل والقانون، و”حقيقة” آلة التضليل التي لا يمكنها الصمود أمام حقيقة الشارع، فتعمل على إبقاء الوضع على حاله، لنسج واقعها هي، ونشر روايتها، التي تروي “انقسام” الحراك وأفوله، تكريسا لأمنيتها، في تشتيته سبيلا لفجيره، على غرار ما تقوم به بعض فلولها، خاصة في باريس، تحت إشراف الثنائي القديم المتجدد DRS/DGSE، الذي يضطلع بالمهام القذرة، منذ استقلال البلاد، لإبقاء هيمنته على الشعب وإبقائه تحت سيطرة بقاياه الأقدام السود المحليين(les derniers Pieds noirs) ، الذين تسللوا إلى مراكز النفوذ في السلطة تدريجيا قبل الإمساك بها نهائيا بعد انقلاب يناير 92 .
رشيد زياني شريف
التعليقات مغلقة.