فزاعة “الأدلجة”…ما وراء حملة إغراق “الحراك” في معارك استنزاف داخلي

206

فزاعة “الأدلجة”…ما وراء حملة إغراق “الحراك” في معارك استنزاف داخلي

ما معنى إقحام الحراك في معارك “دونكيشوتية” تُستنزف بها حركة التغيير الشعبية السلمية؟ الحملة “المؤدلجة” من أطراف داخل الحراك وخارجه، ومدعومة من جهات في باريس، هي إحدى الأوراق التي تستخدمها بعض أجنحة السلطة والدوائر المتربصة منذ أشهر..

وقد حذر ناصحون من أن ورقة “أدلجة” الحراك صناعة أمنية برعوا في استخدامها في التسعينيات، يشقون بها الصفوف ويشتتون التركيز لتتشعب المسالك بالحركة التغييرية الشعبية وتُستدرج لمعارك خارج حدود الصراع، وتحمست لها (هذه الحملة التحريضية) مجموعات مندفعة أو متهورة داخل الحراك وخاضت مع الخائضين، وكأن هذا الحراك صنيعة تنظيم أو حركة أو توجه، ولم يكن كذلك ولا قدر ت مجموعة على السيطرة عليه، فلم التركيز على طرف بعينه، فلا هو حاول السطو ولا هو قادر، فلم كل هذا التحامل؟

من الواضح أن ثمة توجها، أمنيا ودعائيا، في الداخل والخارج، ومن باريس تحديدا، لتضخيم طرف بعينه أو الإيهام بحجم تأثيره، أو استخدامه “فزاعة” استرضاء لدوائر استخبارية وكسبا لتعاطف الغرب في حملة القمع الداخلية للحراك الشعبي، فورقة الإسلاميين أكثر الأوراق رواجا واستثارة للدعم الغربي وأقصر طريق لشراء الصمت وبيع بضاعة التخويف، فالسياسات الغربية، إجمالا، خاصة في شقها الاستخباري وتوجهاتها الإستراتيجية معادية لأي توجه إسلامي معارض ولا ترضى به حاكما أو ثائرا أو معارضا جادا، واللعب على هذا الوتر تتقنه مخابر السلطة وتجيد التخويف منه..

والمعادون للديمقراطية الحقيقية (وإن تظاهروا وادعوا تعلقهم بالخيار الديمقراطي) من التوجهات التي يرعبها الاختيار الشعبي الحر، متحالفون مع السلطة، وإن بشكل غير رسمي، في قطع الطريق على أي بروز لقوة شعبية تغييرية مستقلة قد يكون فيها للتيار الإسلامي (أو المحافظ عموما) تأثير في صناعة المستقبل، ولهذا لاحظ مراقبون هذا التماهي بين الأطراف “الحداثوية” ومخابر السلطة. ووقتما يكون الجهد منصبا على نقد منافسك، والتفكير فيه، والتحذير منه فاعلم أنك فقدتَ زمام الفعل الواعي وأصبحت تصارع على الهامش..

وهذا التحريض يتولاه تحالف عريض لا رابط بين أطرافه غير عُصَابِ التحريض على “الأسلمة” والتخويف من “الأدلجة”، فهم أوجه سياسية متشاكسة، وسُحَن ثقافية متنافرة، تنادي بالويل والثبور والتحذير من “أسلمة” الحراك أو تروج لـ”أدلجته” دون أن تبسط لمجتمعها مشروعًا منافسًا. ويخاف التحالف المتشاكس أو “الشركاء المتشاكسون” من مجتمعهم، إذ لا يثق فيهم ولا ينتخبهم ولا يقدمهم، غالبا، في لحظات الاختيار، لذا لا يجدون أنفسهم في السلطة إلا على ظهر دبابة أو متحالفين مع مستبد، وهم مع ذلك جزء من هذا المجتمع، مضطرون للتعامل معه على مضض، ويعيشون انفصامًا مريعًا ينعكس على مزاجهم قلقا وتوترا، فهم يدعون إلى قيم الحرية والعدالة بألسنتهم، لكنم يعادونها واقعًا بسبب صفعات صناديق الاقتراع، وهم لا يريدون ديمقراطية لا تأتي بهم وحدهم. ولذا كان هؤلاء المتشاكسون، غالبا، وقودا للثورة المضادة في بلاد العرب، وهم يدركون أو استفاقوا على حقيقة مريعة، وهي أن الانفتاح والديمقراطية يعنيان تحييدهم عن مراكز النفوذ والسيطرة والتحكم، فاللص حزينٌ تعيس وخائف دومًا من ضحاياه.

ولعل أحد مصادر توتر وقلق هذا التحالف المتشاكس هذا الانفصام بين وجوده الافتراضي والميداني، ففي المجال الافتراضي يجد لنفسه حصورا وهوية، يطرح أفكارًا فيناقشه مدنون حقيقيون أو وهميون، ويحس لنفسه وجودا ماديا، فيُخيل إليه أنه ملك سلطة القرار، لكنه ما إن يغادر عالم التواصل الاجتماعي الافتراضي وينزل إلى الساحات والميادين حتى ينكر ذاته، فلا وجود حقيقي له على الأرض، بطولها وعرضها، وامتدادها وعمقها.

صحيفة الأمة الالكترونية

التعليقات مغلقة.