حصّن حرية الرأي أولا ثم ناقش الاستثناءات لاحقا

95

الأولى في مجتمعات الاستبداد أن لا يُفتح مجال واسع للسلطة كي تقيد حرية الرأي على وفق مصلحتها.. والقاعدة الذهبية في هذا: حصّن حرية الرأي أولا ثم ناقش الاستثناءات لاحقا.. فليس من مصلحة المجتمع أن تتضخم وظيفة الضبط والتحكم في الدولة، وليس من طبيعتها، أصلا..

ومع تغلبها وتوغلها وتضخمها (أي الدولة) فلا أقل من معالجة التدخل وتقليصه في حدود الضرورة..وليس هناك أخطر ولا أسوأ من أن تكون إرادة فرد من الناس، أيَا كان، لها قوة القانون النافذ..ولن نستفيد من إسكات صوت نكرهه سوى أننا أعطينا المشروعية لغيره لإسكاتنا متى ما كره صوتنا..

والناس قد تصدهم حالة من اليأس لا تجعلهم يشاركون في السعي للحرية، وبعضهم يحتج بالإيديولوجيا، وكأنها شر مستطير، ليبرر عزلته وسلبيته، وهذا وهم أو عقدة، فليس ثمة نهاية للإيديولوجيا، ولن تكون، والانحياز ميل طبيعي، ولكن لنخفف من تأثيره، ولا معنى للسياسة بلا إيديولوجيا، ولا نفرح كثيرا بالادعاءات والكلام الفارغ، والقائلون بنهاية الإيديولوجيا حالمون طوباويون، والسياسة المنزوعة من الأيديولوجيا ذات توجه استهلاكي دعائي، ولكن لنتجاوز تقاليد الإيديولوجيا التي تخطاها الزمن الثوري، ولتكن وجهتنا وبوصلتنا واحدة: إلغاء كل أشكال الاستبداد وسياسات القمع وتعطيل الحقوق..

وجمع الناس على قيمتي التحرر من الطغيان ومقاومة الاستبداد من واجبات الوقت، هو بداية كل نهوض..والحرية هي من تصنع الناس الحقيقيين.

وعندما يمنع الناس من التفكير والتعبير يفقدون آدميتهم وإنسانيتهم. فحرية الرأي هي آخر قلاع الحرية، وإذا سقطت، سقطت الحريات كلها.. لا حرية بعدها. وكل أنواع الحريات في كفة وحرية التعبير عن الرأي في كفة أخرى لوحدها، هي بمثابة الرأس في جسد الحريات، فإذا كانت الديمقراطيات (رغم ممارسة الاقتراع والانتخابات) من دون حرية التعبير عن الرأي هي مجرد سلطويات، فكيف بغير الديمقراطيات مثل بلادنا.

وتهاون الناس في أخذ حريتهم يوردهم موارد الشر والسلبية واليأس والبقاء في مهاوي الجهل والتبعية المذلة، وقد كان من أسباب الشر الذي تعرضت له ألمانيا على يد هتلر أنها تهاونت في الأخذ بحريتها في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي حتى استعبدها النازيون..فقد يخاف الناس من مسؤولية الحرية وعواقبها فيتهاونون في طلبها وتحصيلها وانتزاعها، حتى يتنازلوا عنها، ويغلب عليهم انتظار الزمن، فتفتح عليها أبواب جحيم الاستبداد.

وكثير من أمراضنا المجتمعية والثقافية والسياسية علاجها الحرية، فالمجتمع المفتوح أكثر ثقة بنفسه وقدرة على إدارة خلافاته وصراعاته وأقدر على التعايش. 

صحيفة الأمة الإلكترونية

التعليقات مغلقة.