أحمد أويحي، و رحلة البحث عن سيّد جديد

270

عاد أحمد أويحي، الشّهير بصاحب المهمّات القذرة، عاد هذا المساء ليتحدّث بعنجهيّة واستعلاء، مهدّدا ومتوعّدا كلّ أولئك “الذين ينتقدون الجيش”، بعبارة أخرى الذين ينتقدون كبار الجنرالات، من “عواقب وخيمة” حتّى ولو كانوا في رتبة جنرال سابق، كحسين بن حديد الذي يقبع في سجن البليدة العسكري منذ حوالي ثلاثة أسابيع، في حين يعتقل نجله الأكبر في سجن الحرّاش…

الجنرال بن حديد كان قد اعتبر في تصريحين له أسبوعا قبل اعتقاله، أنّ “الجزائر اليوم تحكمها  مجموعة أشرار”، مدنيّا، بقيادة “شخص مجنون هو السّعيد بوتفليقة”، و عسكريّا، بقيادة الفريق قايد صالح، قائد الأركان ونائب وزير الدّفاع، “أكثر العسكريّين فسادا وأقلّهم كفاءة…والذي لا يحظى بأيّ احترام داخل الجيش”،  حسب الجنرال بن حديد الذي يُتّهم اليوم “بكشف أسرار عسكريّة…وبضرب معنويّات الجيش” وربّما ستضاف له تهمتيْ “الدّعوة للتمرّد ولإنقلاب عسكري”.

لم يكتف أحمد أويحي، الذي تبنّى سياسات دمّرت الإقتصاد والمجتمع في ثلاث حكومات ترأّسها ما بين عام 95 و2012، بالتهجّم على خصومه ورسم الخطوط الحمر  لهم والطلب منهم بأن يتحكّموا في ألسنتهم قبل أن ينطقوا…، “لأنّ هيبة الدّولة فعلا أصبحت لا تتحمّل التّطاول ولن تقف مكتوفة الأيدي تتفرّج على المتطاولين”، وإنّما برّر أيضا غلق قناة فضائية لأنّها بثّت تصريحات لشخص هدّد الرّئيس، “فهيبة الدّولة  لا تحتمل أيّ تهاون”، متوعّدا ومزمجرا، “كلّ واحد أيشدّْ سابعو”. ومستدركا أنّ “الدّولة تقبل من هذا الشّخصاإعتذاره بعد أن صحّح لسانه”.
الشّخص الذي يعنيه أحمد أويحي، هو مداني مزراق الذي أقسم، عبر قناة الوطن التّابعة لحركة حمس، أنّه سيقول “لبوتفليقة كلاما غليظا لم يسمعه من قبل”.

لكنّ “الأمير” السّابق مزراق، الذي اعترف يوما أنّه قتل جنديّا جريحا “حتّى يخفّف آلامه”، كما تذكى شاة جريحة، سرعان ما تراجع عن أقواله بل داهن”فخامة الرّئيس المجاهد”، ومدحه فهو “الذي ضحّى بالنّفس والنّفيس” معلنا أنّه: “قرّرت أن أتراجع عن الرّدّ الذي وعدت به.. وأكتب بدلا منه رسالة هادفة صادقة قويّة…” وهاجم في نفس الوقت علي بن فليس الوزير الأوّل السّابق وخصم الرّئيس مرّتين في “انتخابات ” رئاسية. هاجمه قائلا، “لقد أعماك الطّمع، فسقطت سقوطا حرّا، وانتحرت سياسيّا، وهوى بك الجبن في واد سحيق”.
“الأمير” مزراق شعر هذه المرّة، أنّه ربّما تجاوز حدوده في وقت يغيب فيه صانعه وصانع الرّؤساء عن المشهد، الجنرال توفيق، وأدرك “الأمير” متأخّرا، على ما يبدو، أنّ رحيل توفيق يعني أنّه قد يدفع ثمنا غاليا إذا ما تجرّأ مرّة أخرى على “فخامة المجاهد الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة”. فعند رحيل “صديقه الجنرال الحاج إسماعين” موتا في 2007،  كانت قد انتقلت الحماية إلى رأس المخابرات نفسه المطاح به قبل حوالي شهر.

أحمد أويحي،  الذي ظلّ يعتزّ علنا بولائه “لربّ الدزاير” الجنرال توفيق، سرعان ما قدّم الولاء للرّجل القويّ الجديد، الفريق قايد صالح، أو شيخ العسكر كما يوصف، بالعبارات التي يتقنها بامتياز والتي ّتتغلّف دائما بعبارت جوفاء عن “الجمهوريّة” و”الدّولة” و”المؤسّسة العسكريّة”… لغة خشبيّة من طراز عال، لكنّها فقدت كلّ معانيها في وقت تتهاوى فيه الدّولة إلى وضع يهدّد كيانها ذاته ووجودها كلّه.

اعتبر، أويحي، أنّ رحيل توفيق ضرورة أملتها الظّروف ولكنّ هذا الرّحيل يضيف أكثر مسؤول يمقته النّاس في الجزائر، ” لا يعني أنّ الرّئيس  يريد تكسير الجهاز الأمني إنّما العكس هو الصّحيح، فقد أعاد تنظيمه بما يحفظ أمن البلاد”، وأمن “الذين ينتقدون الجيش اليوم وقد  كانوا في شواطئ البحر تحت حراسة الدّبّابـات”.  ولعلّ  إجابة أويحي هذه تغني مرّة أخرى عن أيّ حديث توهّمه البعض وبشّر به من أنّ “ضبّاطا وطنيّين في الجيش يقومون بطرد عملاء فرنسا من الجيش”

صاحب عبارة “جوّعْ كلبك يتبعك”،  أنذر أيضا أولئك الذين يتحدّثون عن فترة انتقاليّة بأنّهم “يخطئون في المرحلة لأنّ الفترة الانتقاليّة انتهت في 95″.  ف”بوتفليقة رئيس شرعيّ لأنّ الجزائريّين صوّتوا عليه وهو على كرسيّ..”.

بهجومه على الدّاعين لمرحلة إنتقاليّة يكون، أحمد أويحي وزير الدّولة ومدير ديوان الرّئيس، قد تهجّم على كل خصوم الشّقيقين بوتفليقة محاولا التّقرّب أكثر من السّعيد، الذي ساءت علاقاته به في الفترة الأخيرة بشكل متزايد،  حتّى أنّ أيّامه قد تصبح معدودة على رأس ديوان الرّئيس. فالسّعيد هو الذي يدير شؤون الرّئاسة نيابة عن شقيقه الآخذة صحّته في التّدهور، فقد أظهرته صور جديدة ويكأنّه قد صُنع من شمع عندما استقبل الجنرال البشير، الذي يحاصره قضاء الدّول الكبرى، ولا أقول القضاء الدّولي،  بتهم “ارتكاب جرائم ضدّ الانسانيّة”.

إضافة لإظهار “الرّئيس” أنّه حيّ يرزق، بل وأيضا يستقبل رؤساء العالم ولو كان رئيس ما تبقّى من السّودان، ستكون الزّيارة مناسبة للطّلب من الجنرال البشير المحاصر، أن يحاصر “رجل الأعمال” يسعد ربراب، الذي كان قد هرًب مئات الملايّين من الدّولارات – من الجزائر إلى دول عدّة بما فيها السّودان بدعوى “الاستثمار في أجواء أكثر حريّة وحيث تسود دولة القانون”.

فيسعد ربراب الذي دخل  ديوان  كبار أثرياء العالم بثروة تزيد عن 3.8 مليار دولار في عام 2014،  وكان حتّى منتصف سبتمبر الفائت، كما تزعم الصّحافة التي – يموّلها – أكثر الجزائريّين”إستثمارا وإنتاجا”، يرفض العودة للجزائر خوفا من الاعتقال بعد أن اتّهمه وزير الصّناعة بأنّه “محتال”،  وقد بدأ علي حدّاد ، أكثر أصحاب الشّكارة ثراء، و المقرّب من السّعيد في الاستحواذ على احتكاراته، مبتدءًا بتجارة السّكر التي قسّمها على ثلاثة من مقرّبيه ممّن يسمّون برجال الأعمال في الجزائر، أو بعبارة أدقّ رجال نهب المال.

لكنّ علي حداد الذي كان قد طلب من الصّينيّين قبل أشهر أن يأتوا للاستثمار في الجزائر،” حيث وفرة  النّساء والمال”، لن يكتفى بالسّكر وإنّما سيستولي أيضا على مواد أخرى يحتكرها غريمه ربراب كالزّيوت الغذائيّة…رد ّمالك جريدة ليبرتي، يسعد ربراب جاء سريعا بالتّحضير لإطلاق قناة فضائيّة عمّا قريب من باريس، بمشاركة مع أصحاب قنوات أم بي سي المملوكة لأمراء الخليج.

عبثا يحاول أحمد أويحي، رئيس حزب الرّاندو كما يطلق عليه في الجزائر، التّقرّب من الفريق قايد صالح، الذي يجوب النّواحي العسكريّة هذه الأيّام ويظهره التّلفزيون الرّسميّ مطوّلا في نشرات أخباره، وهو ينصح الجنود في الصّحراء الكبرى ب”أهميّة اللّياقة البدنيّة  للجيوش”.  ذلك أنّ قايد صالح  قد اختار منذ زمن رئيس الحزب الذي يريده، وهو  صديقه الذي يدعو “لدولة مدنيّة عصريّة” عمّار سعداني، وهو اليوم رئيس الجبهة التي أسّسها بن بولعيد وبن مهيدي…والتي أصبحت مرتعا لكبار اللّصوص، وهي تُسبّح ليل نهار بالرّئيس الذي “أنقذ الجزائر والجزائريّين”، في حين أنّ هذا الرّئيس  يعجز عن قول كلمتين لشعبه منذ أن قال – مخادعا – عبارته الشّهيرة “جيلنا طاب جنانو”، في 8 ماي 2012.

في هذا الوقت يصرخ – من مدريد – مسؤول عسكريّ كبير محذّرا شعبه  وأقرانه في الغرب كلّه من أنّه “يجب أن نكون حذرين، إذا وقعت حالة من اللاّاستقرار في الجزائر، يقصد سقوط النّظام،  يجب أن نسرع لمساعدتها كيفما كان الحال، لأنّه إذا سقطت الجزائر سقط شمال افريقيا برمّته”

تصريح كهذا كان من المفتض أنّه سيزعج صاحب المهمّات القذرة أويحي وسادته في هرم السّلطة،  أليس هذا  تدخّلا صارخا في شؤون الدّولة الجزائريّة؟

الواقع أنّ أويحي وسادته  يدركون أنّ ذلك محتمل جدّا، ولن ينزعجوا من تدخّل إسبانيّ أو فرنسيّ  أو روسيّ بل  على العكس،  قد يصبح ذلك “أمرا لازما ووطنيّا ضدّ  الارهاب”،  كما يصف  – اليوم –  زعيم “المقاومة والممانعة” طائرات روسيا التي تدكّ مدن سوريا وبلداتها دكّا بتنسيق علنيّ مع إسرائيل، التي يفترض أنّها عدوّة جماعة “المقاومة والممانعة”.

 

محمّد العربي زيتوت

 

 

 

 

5 تعليقات
  1. عبد الكريم يقول

    L’idée de Bouteflika
    Un homme qui n’a pas de prix , cela n’existe pas.
    C’est l’idée même de L’école supèrieure de l’administration

  2. طارق يقول

    الرسول عليه الصلاه و السلام قال في حديث صحيح : و الله ما الفقر أخاف عليكم و لكن أخاف أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم . هذه حكاية ال 1000 مليار دولار بكل بساطة أما حال الشعوب العربية فدائها فيها و برأيي مقولة الفيلسوف الإيطالي نيكولا مكيفال أحسن توصيف لها ( un trompeur trouve toujours quelqu’un qui se laisse tromper ).

  3. عبد القادر يقول

    المرحوم الحسين آيت أحمد كان يسميه “بو الوجه المقصدر” و حسبنا بهذا من نعت …ماذا تنتظر من أناس لا دين لهم و لا مواقف إنما يعشقون السلطة لذاتها… هو صنيعة توفيق و ضباط فرنسا لكنه يميل دائما للأقوى ..اليوم السيد الجديد هو سعيد بوتفليقة فاليذهب توفيق والعصبة المنهارة الى الجحيم

التعليقات مغلقة.