كتاب «حياة في الظل»… قصص عن «النساء المنسيّات» في الحرب على الإرهاب

160

الكتاب جديد للمؤلفة البريطانية فيكتوريا بريتن يروي شهادات عن معاناة عائلات الأشخاص المتهمين بالإرهاب

لندن من إلياس نصرالله | صدر في لندن أخيراً كتاب «حياة في الظل… النساء المنسيات للحرب على الإرهاب» لمؤلفته الكاتبة والصحافية البريطانية فيكتوريا بريتن، التي اشتهرت في الماضي من خلال عملها كمحررة للشؤون الدولية في صحيفة «الغارديان».
يعالج الكتاب قضية إنسانية من الدرجة الأولى، وهي حياة ومعاناة نساء وعائلات الأشخاص المتهمين بالإرهاب الذين يقبع بعضهم في معسكر اعتقال غوانتانامو الأميركي في كوبا منذ عام 2001 إلى اليوم أو بعض المعتقلين منهم في السجون البريطانية والأميركية أو بعض أولئك الذين تم إخضاعهم لاعتقال منزلي في بريطانيا.
يقع الكتاب في 182 صفحة من الحجم المتوسط وصدر عن دار نشر «بلوتو برِّس» في لندن مع مقدمة بقلم الكاتب والرسام البريطاني الشهير جون بيرغر وخاتمة بقلم الكاتبة والمؤرخة البريطانية المعروفة مارينا ورنر، المتخصصة في قضايا المرأة، بالإضافة إلى 8 فصول كالتالي: 1 صباح: من فلسطين إلى غوانتانامو 2 زنيرا: من المدينة إلى غوانتانامو 3 دينا وجوزفين: من فلسطين وأميركا إلى الاعتقال المنزلي في لندن 4 حمده: من الأردن إلى سجن بلمارش 5 رجاء: من مصر إلى سجن لونغ لانترن 6 عائلات جنوب لندن 7 كريمات وأخوات 8 عائلات تعيش في الحرب على الإرهاب.
في مقدمتها تقول المؤلفة ان الكتاب يُقدّم لمحة عن العالم الخاص لعدد من النساء من بلدان مثل أفغانستان ومصر والأردن وفلسطين ممن تحطمت حياتهن نتيجة لأساطير وخرافات الحرب على الإرهاب والتطورات الجيوسياسية الجديدة في العالم التي «أعمت عيوننا عن الظلم الذي تجري ممارسته بموجب قوانين مكافحة الإرهاب باسم أمننا الوطني». وتقول الكاتبة أن «قصص هذه النساء تبدأ كلها من أفغانستان التي حُمِّلت المسؤولية عن هجمات 9/11 الإرهابية وشُنت عليها الحرب بعد شهر من هذه الهجمات في 7 أكتوبر 2001، بحجة القضاء على معاقل الإرهاب وتحسين الوضع في هذا البلد، وها نحن الآن بعد أكثر من 11 عاماً على الحرب ما زال الوضع هناك مثلما كان عليه، بل أسوأ».
وتقول بريتن ان الحرب على الإرهاب حجبت الرؤية لدى البريطانيين ومواطني البلدان الغربية عن الضحايا الحقيقيين الأبرياء لهذه الحرب ومن ضمنهم النساء اللواتي تناول الكتاب قصصهن الشخصية. فهن زوجات أو أمهات أو أخوات أو بنات عدد من المعتقلين الذين اصطادتهم أجهزة الاستخبارات البريطانية والأميركية ووضعتهم في السجون في الولايات المتحدة ومعسكر غوانتانامو الأميركي في كوبا وبريطانيا وما زال معظمهم حتى اليوم فيها من دون محاكمة. وحاولت بريتن أن ترسم صورة عمّا حصل لأفراد عائلات هؤلاء المعتقلين الذين لم تكن لهم علاقة على الإطلاق بالتهم التي وجهت لذويهم المعتقلين.
وتشرح المؤلفة كيف تحوّلت بريطانيا خلال عقد التسعينات الماضي إلى مركز للأصوليين من العالمين العربي والإسلامي الذين عاشوا مع عائلاتهم في لندن وغيرها من المدن البريطانية حياة عادية، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى جحيم، بعد هجمات 9/11 الإرهابية على نيويورك وواشنطن عام 2001 والحرب على الإرهاب في أفغانستان في أكتوبر من ذلك العام. حيث انطلقت ضد الحركات الأصولية حملة مطاردة غير مسبوقة وتم اعتقال أعداد كبيرة من المتهمين بنشاطات إرهابية أو بالاتصال مع تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان الأفغانية والزج بهم في السجون، من دون أن يكون هناك أي إثبات حقيقي ضدهم، بل في كثير من الحالات جرى الإفراج عن بعضهم بلا محاكمة.
وتورد المؤلفة إحصائيات أميركية حصلت عليها من فريق بحث تابع لكلية سيتون هول الحقوقية الأميركية عمل تحت إشراف البروفيسور مارك دينبو واطلع على وثائق تابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بيّنت أن 66 بالمئة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى الولايات المتحدة أو إلى معسكر غوانتانامو لم يُلق القبض عليهم في أفغانستان، وأن 55 بالمئة من المعتقلين في غوانتانامو لم توجه لهم أي تهمة بارتكاب أي جرم ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، و8 بالمئة منهم فقط هم الذين جرى تصويرهم على أنهم أعضاء في «القاعدة» وما يقارب الـ40 بالمائة الباقين لم تتحدد علاقتهم بـ«القاعدة» أو طالبان.
في المقابل عددت بريتن المطاردات الحامية التي جرت في بريطانيا للعناصر الأصولية وموجة الاعتقالات والاتهامات المتعددة التي وجهت للمعتقلين، وأوردت على سبيل المثال قصة اعتقال عدد كبير من الأصوليين الجزائريين الذين تم اتهامهم بالتخطيط لهجوم إرهابي يقوم على أساس استخدام سلاح بيولوجي يُطلق عليه اسم «الرسين» الذي تبين لاحقاً أنه لا وجود له على الإطلاق وأطلق سراح جميع المعتقلين في هذه القضية.
ومع أن قصص العديد من هؤلاء المعتقلين وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام من خلال اهتمام الرأي العام الواسع بالحرب على الإرهاب، إلا أن ذوي هؤلاء المعتقلين، خاصة النساء منهم ظللن مجهولات ولم يسمع أحد بهن أحد. فأمهات المعتقلين وزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم أيضاً أبرياء كلياً من أي تهمة، مع ذلك لاقين معاملة قاسية من جانب السلطات الأميركية والبريطانية وعانين منها معاناة شديدة. فهؤلاء النساء هن بطلات كتاب بريتن.
في الخاتمة تقول المؤرخة مارينا ورنر انه رغم الخيبات التي منيت بها مهنة الصحافة في السنين الأخيرة جاء العمل الذي قامت به فيكتوريا بريتن في الكشف عن معاناة هذه المجموعة من الأبرياء لتعيد للصحافة دورها ومكانتها في بريطانيا التي ينبغي أن تظل نموذجاً للعالم في مجال التعبير عن حرية الرأي والديموقراطية.
وقالت ورنر ان بريتن رافقت العائلات التي تحدثت عنها في الكتاب واستمعت لهم وهم يروون لها قصص حياتهم ويلقون عليها قصائدهم وعاضدتهم في أوقاتهم الصعبة. ففي الكتاب يتعرف القارئ على صباح زوجة الفلسطيني جميل البنا، وزنيرا البريطانية من أصل هندي زوجة السعودي شاكر عامر، ودينا الفلسطينية زوجة المعتقل الفلسطيني الذي جرى التعريف به في الكتاب فقط باسم محمود، وجوزفين الزوجة الفرنسية من أصل سينغالي للمعتقل الجزائري الذي جرى التعريف به فقط باسم السي جي، وحمدا زوجة السجين الأردني الذي جرى التعريف به فقط بالحرفين «وو» وبناتهما الخمسة، ورجاء زوجة المحامي المصري عادل عبدالباري، وفريدة التي تتحدر من عائلة مسلمة عريقة في الهند وباكستان والدة طلحة المعتقل البريطاني من أصل باكستاني، وصبيحة والدة المعتقل البريطاني من أصل باكستاني بابر أحمد وشقيقته آمنة وبناتها، إلى جانب زوجة أبو قتادة وأفراد أسرته وعدد من نساء المعتقلين في الولايات المتحدة اللواتي جميعهن مررن بنفس المعاناة لا لذنب ارتكبنه، بل حتى لا ذنب ارتكبه ذووهم المعتقلون في معظم الأحيان.

http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=421134

التعليقات مغلقة.