اتق الله في الحكام! شاهو القرة داغي

132

منذ بداية الكتابة ونشر المقالات والمنشورات وأنا أسير على خط واضح ومستقيم، وهو خط بيان خطورة الطغيان على حياة الإنسان، وضرورة الحرية للمجتمعات الإنسانية، وتجريد الاستبداد من قدسيته وهدم بنيانه والأسس التي يعتمد عليها في بقائه كخطوة أولى ورئيسة لتحرير المجتمعات الإنسانية، وخاصة الإسلامية، من القمع والانحراف وتطهيرها من الفساد والظلم والهوان التي تعاني من العديد من الأمراض؛ بسبب النظام السياسي المنحرف الذي يعتبر منبعًا لكل الشرور والمصائب التي لحقت بأمتنا.

وكما قال الشاعر أحمد مطر: “اعلم أن القافية لا تستطيع وحدها إسقاط عرش الطاغية”، وأنا أعلم تمامًا أن كلماتي لا يمكن أن تسقط الديكتاتوريات؛ ولكنها محاولة لنشر الوعي بين العقول الغافية وجعلها تُفضل الحرية على العافية.

في الفترة الأخيرة، كتب لي أحد الأخوة: “اتق الله في الحكام، أنت طاغوت وتحرض على ولاة الأمر”.

استغربت من مدى الجهل وقلة العلم لدى الكثيرين من أبناء أمتنا، ومن الطبيعي أن الواقع المزري الذي نعيشه هو نتيجة طبيعية لانتشار هذه الأفكار بين الناس عندما يقدسون الحاكم ويرفعون من قدره ومنزلته حتى يكون معصومًا عندهم لايخطئ بتاتًا ولا يجوز انتقاده أو ذكره بسوء، بل يجب محاربة من ينتقد الحاكم والتخلص منه بأقصى سرعة حتى لا يتكاثروا!

images

قال الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- لأحد أصحابه: “إذا رأيتني ضللت الطريق فخذ بمجامع ثيابي وهزني هزًا عنيفًا وقل لي إنك ستموت يا عمر، اتق الله”؛ إنه عمر، رمز العدالة والحقوق والمساواة والرفاهية، لم يكن ديكتاتورًا أو طاغوتًا ظالماً حتى يقول هذا الكلام؛ بل كان عادلًا مستقيمًا ورعًا زاهدًا يحب الخير وينشر المعروف والعدل في كل مكان، ورغم ذلك كان يحب النصيحة ويحرض اتباعه على الوقوف بوجهه إذا انحرف عن الصراط المستقيم أو أساء استخدام السلطة.

وجميعنا نتذكر المواطن المصري الذي قال لحسني مبارك “اتق الله” فتم سجنه لمدة (15) سنة بسبب هذه النصيحة، رغم أنها نصيحة لوجه الله وليست تحريضًا على النظام أو حملًا للسلاح أو إدارة خلية سرية أو تنفيذ مخططات خارجية؛ بل هي نصيحة واجبة على كل مسلم تجاه الآخرين.

وقال رجل للخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- “اتق الله يا عمر”، فلم يأمر الخليفة بقتله أو قطع لسانه أو إيداعه في السجن مدى الحياة أو تعذيبه حتى الموت كما يفعل الطغاة والجبابرة في زماننا هذا؛ بل قال له: “لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير في إذا لم أقبلها”.

لماذا يستغرب البعض أن ننتقذ الحكام، ويستفزهم هذا الأمر رغم أن الخلفاء الراشدين طالبوا من الناس دائمًا أن ينصحوهم ويبينوا عيوبهم حتى يصلحوا أنفسهم، رغم المكانة العالية والعدالة المعروفة عندهم.

“إن أسأت فقوموني”، قالها الخليفة أبو بكر -رضي الله عنه- في أول خطبة له بعد تولي الخلافة، وقال عمر: “لن يعجز الناس أن يوالوا رجلًا منهم فإن استقام اتبعوه، وإن جنف أو مال قتلوه، فقال طلحة: وما عليك لو قلت: إن تعوج عزلوه؟ فقال عمر: لا، القتل أنكل لمن بعده”.

فهؤلاء الخلفاء كانوا يحرضون الناس عليهم إذا انحرفوا في استخدام السلطة أو مالوا، وليس الأمر فقط مقتصرًا على الانتقاد والتوجيه من قبل الجماهير والأمة؛ بل يتجاوز مرحلة الانتقاد بأكثر من مرحلة ليصل إلى التحريض والقتل والعزل.

من هذه النماذج ندرك أن من واجب المسلم في كل زمان ومكان أن ينصح الحكام وينتقد أفعالهم، ومن حق الأمة أن تحقق مع حكامها وتعزل الحاكم إذا أساء استخدام السلطة؛ لأنه وكيل عن الشعب، فلماذا يصر البعض على تغطية الحاكم بالقدسية ومهاجمة كل من ينتقد الحاكم أو يسعى لنصحه وتوجيهه إلى السلوك الصحيح!

يقول الشيخ كشك رحمه الله: “كل من يقول اتق الله إلى أي حاكم عربي طاغية سيكون مصيره السجون والمعتقلات”، وهو أمر بديهي؛ لأن النظام السياسي لا يطبق الدين ولا يسير على التعاليم النبوية وسنن الراشدية في أمور الحكم والسياسة، بل يسير على السنن الكسروية والهرقلية وملوك القرون الوسطى المظلمة، ولذلك؛ أصبحنا نعيش في الظلام مقارنة بباقي الأمم والحضارات.

نحن لسنا طواغيت، ولسنا من دعاة الفوضى والخراب والفتنة والحروب الداخلية؛ بل نقوم بأقل واجب على عاتقنا في بيان حقيقة الأنظمة السياسية الحاكمة في بلداننا وإظهار انحرافاتها ومحاولة نزع الشرعية الإسلامية التي يحاول الكثيرون إلباسها بهذه الأنظمة؛ علينا أن نقول جميعًا للحاكم “اتقوا الله في شعوبكم والأوطان التي تحكمونها”، وإذا لم يتقوا الله فعلينا استخدام جميع الوسائل المشروعة والموجودة في السنة النبوية وسنن الخلفاء الراشدين في كيفية مواجهة السلطان حتى يعودوا إلى رشدهم.

نشر في : الخميس 28 مايو 2015
altagreer.com/blogs/اتق-الله-في-الحكام/

التعليقات مغلقة.