البروبغاندا العربية.. معارك عبر الأثير

168

 بسمة حجازي – التقرير

لأنهم يؤمنون بالسلطة الرابعة؛ فهم يسخرونها في معاركهم. إنها الأسلحة غير المحسوسة التي تستخدمها الأنظمة والجماعات التي تخوض حروبًا أو تحاول صناعة نفوذ لها. الإعلام ليس مظهر بذخ تطفح به بيوت العرب وأجهزتهم الذكية، بل هو سلاح جوهري وهام لمن يحسن تسخيره في معركته. في العالم العربي، حضر الإعلام بقوة وحاول صناعة الرأي العام بطريقة تتناسب مع أهداف الأنظمة الحاكمة، خصوصًا قبل ولادة الإعلام الجديد وشبكات التواصل. وفي خضم معارك الشعوب العربية مع الأنظمة المستبدة، فقد أطلقت بدورها قنوات إعلامية مقروءة ومكتوبة لتقف ندًا للإعلام الرسمي ولتخوض معركتها معه بنفس السلاح الذي يقاتلها به.

يعرف خبير الإعلام والدعاية الأمريكي “هارولد لاس” البروبغاندا بأنها: “إدارة المواقف الجماعية من خلال التلاعب بالرموز الهامة“.

1- المعارك الإعلامية تاريخيًا:

كان الإعلام في السابق تحت قبضة الحكومات، وكان يُدار بالقوة نحو الأجندة السياسية؛ ليكون أحد الأسلحة التي يُستهدف بها العدو، وبوابة صناعة النصر، وتخدير الجماهير حتى لو كان الواقع مخالفًا لذلك.

في الولايات المتحدة، مع بداية الحرب العالمية الأولى، أصدر الكونجرس قانونًا يجعل نشر أي مادة إعلامية لا تحترم الحكومة أو تسخر منها أو من العلم أو الزي العسكري للقوات الأمريكية عملًا غير قانوني. وبحلول نهاية العام الأول للحرب، فقدت 75 صحيفة أمريكية الامتيازات البريدية الخاصة بها، واضطرت بعضها لتغيير رؤساء التحرير نتيجة لشدة الرقابة ورصد المخالفات؛ حيث أُنشئ لهذا الغرض مكتبٌ عسكريٌ للرقابة.

ووصف عرّاب الدعاية الألمانية، السيد جوزيف غوبلز، الدعاية الإعلامية التي كان الرأس المدبر لها في ألمانيا بتكليف مباشر من هتلر بأنها: “دعاية صالحة لهدف صالح“، وقال: “نحن نصنع الدعاية لا لإظهار القوة أو إبراز الرجال الذين يعملون خلف الكواليس؛ بل نصنع الدعاية لقناعاتنا الصادقة… ونحن نحارب بكل الوسائل الجيدة المتاحة لنا“.

ونشر الجنود الأمريكيون في حرب فيتنام أخبارًا بين الفيتناميين عن جماعة مقاومة وهمية سموها “السيف المقدس”، عن طريق بعض الصيادين الفيتناميين الذين عصبوا أعينهم ونقلوهم إلى جزيرة مجاورة وقدموا بعض الأشخاص كأعضاء في هذه الجماعة الوهمية، فعاد الصيادون ونشروا الإشاعة على نطاق واسع وأخذ المقاتلون الفيتناميون يهدرون وقتهم في البحث عن جماعة لم توجد على الإطلاق!

ورفعت الولايات المتحدة في الحملة الإعلامية الضخمة، التي أطلق عليها الرئيس ترومان مسمى “حملة الحقيقة”، ميزانية وزارة الخارجية من 20 مليون دولار عام 1948 إلى 115 مليون دولار بحلول عام 1950. وكان جزء من أهداف هذه الحملة هو شيطنة الشيوعيين من خلال التقارير والمعلومات المنشورة، وحتى الرسوم الكاريكاتورية.

واصطحبت الولايات المتحدة نحو 600 مراسل في حرب العراق عام 2003، معظمهم تمركز في قواعد ومراكز للجيش الأمريكي وحصلوا على معلوماتهم من القادة الأمريكيين هناك.

يقول “ويلي آركن” في كتابه مبادئ الإعلام: القتل بنيران صديقة في الحروب الإعلامية للولايات المتحدة:

 “في (كثير من الحالات)، فإن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية، تعتمد على الجيش للحصول على معلومات … وعندما تكون المعلومات التي يقدمها ضباط الجيش للجمهور هي جزء من عملية صناعة الدعاية؛ فإنه سيتخللها الكثير من الخداع، والتضليل، والإنكار؛ وستكون الحقيقة أول ما يوضع في قوائم الضحايا“.

2- إعلام حكومات ما قبل الربيع العربي:

كان الإعلام قبل الربيع العربي مكرسًا لتمجيد الحاكم، وتقديسه، وإضفاء هالة من الهيبة، وصنع إنجازات وهمية للرئيس، يتخللها ثناءٌ عميقٌ على حكمته وحنكته وبصيرته التي قادت البلاد العربية لما كانت عليه قبل الربيع العربي.

وحتى في الموت، كان للإعلام العربي موعدٌ مع تبجيل الراحل وتمجيد الخلف الوارث للعرش مسبقًا:

وحتى المشاريع التنموية التي تُدشن في كل دول العالم كحق اعتيادي للشعب، فإنه يتم تضخيمها وتصويرها على أنها مشاريع كونية خارقة واستباقية ولا مثيل لها في دول العالم:

ورغم كل هذا التضليل الممنهج في الإعلام العربي، إلا أن رؤية العربي كانت ثاقبة؛ فاختار ألا يصدق إلا ما يراه ولا ينجرف خلف بريق الإعلام؛ فكانت للشعوب العربية وجهة نظر أخرى.

3- الربيع العربي: إعلامنا وإعلامهم

هبَّت الشعوب العربية للخلاص من جحيم الحكام. الحكام الذين لم تشفع لهم زخرفة أعمالهم إعلاميًا، ولم تكن كافية لمنع الثورة المحتومة على الفساد، والعبث، ومصادرة الحقوق والحريات.

آمنت الشعوب بأهمية الإعلام في خلق تصور عن ثوراتها وبيان الفظائع التي تُرتكب ضدهم وإيصال صوت الثورة للعالم.

وفي المقابل، استمرت الأنظمة في اتهامهم بالإرهاب، والتطرف، وتنفيذ مخططات خارجية.

قمتُ بدراسة الإعلام في الدول التي استمر فيها الصراع لفترة طويلة وتحولت فيها الثورات إلى معارك كر وفر بين الأنظمة وشعوبها. كانت سوريا والعراق الأقرب لهذا النموذج. تحول الصراع على الأرض إلى معارك أخرى عبر الأثير.

في سوريا، تبدو المعارضة أكثر وعيًا بأهمية الحرب الإعلامية، خصوصًا في ظل تزايد الاتهامات التي يطلقها النظام على الثوار والتي يتهمهم فيها بأنهم “مرتزقة عرب تكفيريون”؛ فنقل إعلام المعارضة أهازيج السوريين بوجوه ولهجات سورية خالصة من قلب المدن السورية كل مدينة تتفن في صناعة الأهازيج بـ “فلكلورها” الشعبي.

وفي المقابل، تحاول قنوات تابعة للنظام أن تبث تقارير توحي بأن الحراك في سوريا يقوده “الإرهابيون” “التكفيريون” “الأجانب”، وأنه سيتم “تحرير” سوريا منهم!

للنظام السوري نحو 10 قنوات فضائية شهيرة؛ تبث تقارير تشيطن الثورة السورية، وتتهم الثوار بالإرهاب، وتروج لأجندة النظام السوري، وتنشر تقارير عن بعض المحافل والمناسبات التي تُقام في المناطق الموالية للنظام على أنها الحياة اليومية (لكل) السوريين.

يصف الدكتور “عزمي بشارة” الدعاية في النظام الأسدي بأنها مزدوجة حسب الجمهور الذي تخاطبه، فيقول:

“في الدعاية الموجهة للعربي، ظهر الجهاديون الإسلاميون الذين توجهوا إلى سوريا كصنيعة الأمريكان والمخابرات الأمريكية، ويختفي هذا كله في الدعاية الموجهة للغرب، ويتم التركيز على مفردتي (الإرهاب) و(الإسلام)؛ فالنظام في هذه الدعاية الموجهة للغرب يظهر ضحية لهما“.

بينما واجه الثوار هذه الأكاذيب ووثّقوا جرائم النظام وانتصارات الثوار عبر 5 قنوات شهيرة، وواجهت بعضها تهديدات بالإغلاق وتم إغلاق أخرى بالفعل، ومنها قناة سوريا الشعب. تدعم هذه القنوات عدة قنوات أخرى من دول عربية مختلفة.

ونشط الإعلاميون والناشطون السوريون في شبكات التواصل لتوثيق ونقل حراك الثورة وجرائم النظام لحظةً بلحظة، بلا رقيب أو مونتاج، كالإعلامي “هادي العبدالله” الذي يتابعه نحو 372 ألف متابع في حسابه على تويتر، والدكتور “أحمد موفق زيدان” الذي يتابعه 253 ألف متابع، وموسى العمر (152 ألف متابع) حتى لحظة إعداد هذا التقرير. كما تواجد أشهر رجالات الثورة من القادة العسكريين في شبكات التواصل كالعقيد “رياض الأسعد”، الذي ينقل أحداث المعارك مباشرة في حسابه على تويتر لنحو 290 ألف متابع، وقائد حركة أحرار الشام “أبو جابر الشيخ” (22 ألف متابع).

ولا زالت حسابات بعض القادة من شهداء الثورة شاهدة على نضالهم، حيةً بعد مماتهم، سطروا فيها ما كتب الله لهم أن يسطروه من شرف وانتصارات؛ وأبرزهم “حسان عبود”، 81 ألف متابع، و”عبد القادر صالح” الملقب بـ “حجي مارع”، (27 ألف متابع).

وفي العراق، كانت البروبغاندا هي السلاح الذي قتل السنة. ومن خلالها، تم إقناع العالم أجمع، حتى نظرائهم السنة، بمشروعية الجرائم التي ترتكبها الحكومة الطائفية منذ عام 2003؛ حيث تم ارتكاب مجازر مروعة تحت ذرائع مثل اجتثاث البعث، ثم القاعدة والتكفيريين، وأخيرًا “قتال الدواعش”. ولا زال الإعلام العراقي يبرر هذه الكوارث بالمبررات المخزية مع وجود ملايين العالقين من النازحين الذين تم منعهم من دخول بغداد إلا بكفيل بحجة وجود دواعش بينهم!

ولا شك أن بروبغاندا الحكومة الطائفية العراقية كانت أقوى بمراحل من المعارضة، ولا تقارن بقوة الإعلام الذي تملكه المعارضة السورية على سبيل المثال. يبدو أن الانقسامات داخل المعارضة العراقية أدت لذلك، بالإضافة لتسلسل الأحداث دراماتيكيًا برعاية أمريكية إيرانية؛ مما جعل المعارضة العراقية بين فكي كماشة.

يقول الكاتب والباحث العراقي الأستاذ رائد الحامد، في معرض رده على تساؤلاتي حول غياب إعلام المعارضة العراقية: “لا يمكن لأي منظمة أن تعمل في داخل العراق إلاَّ أن تكون بترخيص من الحكومة؛ هذا الترخيص له ثمن باهظ، يتمثل في التستر على جرائم الحكومة والميليشيات والقوات الأمريكية؛ إذ ليس من المنطقي أن تدفع الحكومة لمثل هذه المنظمات إعانات بمئات آلاف الدولارات سنويًا ومن ثم تسمح لها بأنّ تكون جهة إدانة تقودها إلى المحاكم الدولية. الفساد المالي من أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع في أداء منظمات المجتمع المدني أو تلك المعنية بتوثيق الانتهاكات ضد المدنيين، إضافة إلى أجندات الجهات الممولة وغموض الأهداف الحقيقية لهذه المنظمات“.

وعندما سألته عن تقاعس المعارضة العراقية إعلاميًا، رغم إمكانية بث القناة من أي دولة عربية أخرى غير العراق، قال:

“على الرغم من أن أغلب وسائل الإعلام التي تمثل المعارضة العراقية، أو كما تدعي، تتخذ من عواصم الشتات مقرات لعملها؛ تجنبًا للملاحقات الأمنية، لكنها لم تؤد رسالتها بالشكل المطلوب؛ لغياب الرؤية الواقعية، وافتقارها إلى الشفافية المطلوبة، التي تتطلب تسمية الأشياء بأسمائها؛ فمثلًا: لا زالت أهم فضائية سُنيَّة، أو هكذا يُنظر إليها، تقوم بإدراج الانتهاكات التي يتعرض لها السُنَّة بأنها انتهاكات ضد ما تسميه (مكونًا بعينه) أو (مكونًا معروفًا)، لكنها لا تشير إلى السُنَّة بالاسم، رغم أن منظمات دولية مثل (منظمة العفو الدولية) و(هيومن رايتس ووتش) لا تتردد في استخدام مفردة السُنَّة، أي هناك إشكالية في خطاب قوى المعارضة؛ حيث إنها لا تستطيع تجاوز خطابها الوطني حتى لو كان على حساب دماء السُنَّة لحسابات تتعلق بالإبقاء على خط الرجعة مع الشيعة وأحيانًا لعدم إغضاب بعض رؤوس الشيعة الذين هم على علاقات جيدة مع هذا الطرف المعارض أو ذاك“.

قمتُ بعمل مسح مماثل، بمساعدة الزميل الإعلامي “نواف آل سليمان”، لقنوات الحكومة العراقية أو القنوات المؤيدة لها -سياسيًا-؛ مقارنة بقنوات المعارضة. وأحصينا للحكومة العراقية 13 قناة مقابل 3 قنوات فقط للمعارضة، وواحدة مذبذبة بين دعم ومعارضة سياسة الحكومة. كما يضيف “آل سليمان” أن القنوات الدينية الشيعية تحولت إلى أبواق سياسية في الأحداث الأخيرة؛ مما يجعل مجموعها أكثر من 38 قناة.

Untitl~1

دعمت هذه القنوات الحكومة العراقية، وبررت مجازرها، وأذكت القتل على الهوية، وروجت للشعارات الدينية التي تفيض بلغة الانتقام ورائحة الدم. وقدمت إحدى هذه القنوات، وهي قناة النجباء، القناة التابعة لميليشيا النجباء، دعمًا لوجيستيًا حقيقيًا؛ حيث فتحت باب التطوع للقتال، وهو ما تطلق عليه “الجهاد” في الميليشيات الشيعية الإرهابية في العراق.

adw

الجدير بالذكر أن جملة القنوات الداعمة للنظامين السوري والعراقي تشكل حلقة واحدة تدعم ما يمكن تسميته بـ “محور إيران”؛ فتنطلق بمجملها للدفاع عن المشروع الإيراني وترويج البروبغاندا الداعمة له. ويمكن، بناءً على ذلك القول، بأن هناك نحو 50 قناة للنظامين السوري والعراقي تدافع عنهما بنسبة تركيز متفاوتة تبعًا لمقر بث كل قناة.

4- داعش: بروبغاندا الترهيب!

رغم أن قتلى داعش يعدون نسبة بسيطة مقارنة بقتلى النظامين العراقي والسوري طيلة سنوات الصراع في كلتي الدولتين؛ إلا أن صدى جريمة واحدة لداعش يجعل المتلقي العادي يظنها أوغلت في القتل أكثر من تلك الأنظمة. السبب الرئيس وراء كل ذلك هو براعة تنظيم الدولة في استخدام البروبغاندا، لا بطريقة تخفي الحقائق؛ بل تبرزها في عمل إعلامي احترافي.

داعش توثق مجازرها بحق المختطفين الأجانب والمسيحيين العرب، وتبثها إعلاميًا في قوالب هوليوودية؛ جعلت بعض محترفي صناعة السينما يجزمون بأنها مصورة في استديوهات فخمة وبخدع سينمائية لا يجيدها إلا صناع السينما.

لكن هذا لا ينفي وجود فيديوهات مصورة بشكل حي من كاميرات الهواتف المحمولة بلا خدع بصرية لمجازر حقيقية لا شك فيها.

بينما تهدف جميع الأنظمة لقلب الحقائق، وتزوير الواقع، ومحاولة نسب جرائمها لمعارضيها؛ فإن داعش توثق بلا خجل جرائمها، وتنشرها، من منطلق إرهاب العدو؛ ما جعل وقع الجرائم التي ترتكبها أعلى صدى من جرائم مماثلة ترتكبها ميليشيات أو أنظمة إرهابية بنفس الكيفية وبعدد أكبر من الضحايا.

لداعش هدفٌ معلنٌ من هذه البروبغاندا، وهو الترهيب. داعش أقامت دولة على وقع الخوف الذي تزرعه في نفوس الناس، واستطاعت باقتدار أن تجعل العالم كله يجمع على إرهابها، لا لكون الآخر مسالمًا؛ لكنها لوت عنق العالم ليرى إرهابها ويجعل البقية يمارسون أضعافه دون أن يحاسبهم أحد.

كما يُقدم إعلام داعش صورًا للحياة في المناطق الخاضعة للتنظيم، والاستقرار الذي يعمها، ويتنقل بين المدن لنقل الحياة اليومية للسكان هناك؛ وهي نفس السياسة التي يستخدمها النظامان العراقي والسوري.

لداعش مؤسسات إنتاج، أشهرها “الفرقان” و”الأجناد” و”مؤسسة ترجمان الأسوارتي”؛ تساهم في نشر مقاطع مصورة على موقع اليوتيوب، وإذاعة تسمى “إذاعة البيان” من نينوى، ومجلة “دابق” التي تصدر دوريًا باللغة الإنجليزية.

وأطلقت داعش قبل أيام محطة أرضية تليفزيونية أسمتها “الخلافة الإسلامية”، لا يبدو أنها ستوقف إنتاج داعش المرئي على اليوتيوب؛ لكنها ستكون وسيلة بث محلية بحتة.

ورغم إسهام تنظيم الدولة في خلق تصور شيطاني عنه؛ إلا أنه لم يسلم في المقابل من البروبغاندا المضادة التي تزيد من شيطنته.

ويقود الإعلام العربي والعالمي بالمجمل حملات إعلامية مضادة يستخدم فيها ما وفره تنظيم الدولة عبر إصداراته من عمليات قتل ومجازر جماعية. وتنشر وسائل الإعلام العربية بمعدل شبه يومي تقارير عن داعش، وقد تتباعد المدة قليلًا في الإعلام الغربي.

5- عاصفة الحزم: السعودية تحارب إعلاميًا

منذ عام 2000م وإيران وأجنحتها في المنطقة، كحزب الله، يستخدمان الإعلام في حرب إعلامية ممنهجة؛ تحاشى الإعلام السعودي الرسمي الرد عليها أو التعاطي معها.

وعمدت إيران إلى اتهام السعودية بتصدير الإرهاب، عبر قناتها الناطقة بالعربية “قناة العالم” التي تأسست عام 2003.

وصدرت تهديدات وشتائم صريحة من قنوات شيعية عراقية للسعودية، حتى بعد إعلان السعودية الدخول في التحالف الدولي لضرب داعش!

وأمام هذه الهجمات، كان الإعلام السعودي صامتًا؛ وجاء الرد متأخرًا من خلال قناتين خليجيتين غير رسميتين، وهما صفا (2008) ووصال (2009)، تعمدًا للرد على بعض هذه الهجمات، لكنها تركز على الجانب العقدي أكثر. وكانت هناك حملات قوية لإغلاق هاتين القناتين بحجة دعم الإرهاب من بعض الليبراليين السعوديين، لكنها باءت بالفشل.

وجدتُ هذا المقطع قبل عام تقريبًا؛ حيث يهدد “عبدالملك الحوثي” بالتدخل في اليمن، رغم عدم صدور أي تصريح رسمي من الحكومة السعودية آنذاك بالحرب.

وعندما تصاعدت الأحداث في اليمن، ومالت الكفة لصالح إيران؛ انطلقت تهديدات مماثلة للسعودية من بعض قادة الميليشيات الحوثية دعمت نقلها قناة العالم الإيرانية.

ومع انطلاق عاصفة الحزم، تغيرت لغة الخطاب إلى استراتيجية “العين بالعين”. واستخدمت وسائل الإعلام السعودية البروبغاندا المضادة بشكل صريح وعلني وواضح لأول مرة ضد إيران.

فطالما تدخلت إيران وأذرعها في المنطقة في الشأن السعودي، وحشدت للمواطنين في القطيف مذهبيًا؛ رغبةً لإثارة الفتنة في الداخل منذ سنوات، وليس الآن.

فقامت السعودية مؤخرًا باستخدام نفس المنهج؛ من خلال تحريك قضية الأحواز العربية عبر تبني مؤتمرات الأحوازيين وتغطيتها إعلاميًا.

وقابلت السعودية سيل السخرية الذي امتد لسنوات في الإعلام الإيراني بسخرية مماثلة، وتنحت الدبلوماسية من الخطاب الرسمي السعودي.

واستمرت أساليب السخرية والتعليقات الهزلية في حساب قناة العالم الإيرانية وتصاعد رتمها مؤخرًا.

وبينما كان العميد أحمد عسيري يعقد لقاءً مع الصحفيين يعرض فيه سير العمليات والخسائر التي لحقت بالحوثيين، كان قادة الحوثيين يطلقون بالمقابل أكاذيب عن اقتحام الحدود وهروب جماعي من المدن الجنوبية. بالإضافة إلى إعلان أرقام مبالغ فيها لعدد القتلى.

ولازال التراشق الإعلامي قائمًا حتى اللحظة، وتصاعد مع دخول السعودية بقوة هذه المرة ولعبها بنفس الأوراق التي كانت تلعب بها إيران.

للحوثي 3 قنوات فضائية مدعومة بجميع قنوات “محور إيران” في المنطقة، وهي القنوات التي تدعم النظام السوري والعراقي وبعض قنوات المعارضة الخليجية، وهي تصل إلى 50 قناة. وللسعودية والخليج بالمقابل أكبر وأهم القنوات الإخبارية العربية التي قد تكون أقل عددًا لكنها أكبر تأثيرًا، أهمها قناتا الجزيرة والعربية. هذا، بالإضافة إلى كبريات الصحف المعروفة في الشرق الأوسط وحساباتها الإلكترونية في شبكات التواصل. كما يستخدم الناشطون اليمنيون من الطرفين “تويتر” لتوثيق الحراك من كل جانب. فإضافة إلى “زيد الحوثي”، 30 ألف متابع، يكتب “يحيى علي القحوم”، 17 ألف متابع، عن الحرب من وجهة نظر حوثية؛ يقابلهم “عبداللطيف العامري 50 ألف متابع، و”مأرب الورد” 52 ألف متابع، و”مجاهد السلالي” 31 ألف متابع؛ الذين ينقلون الأحداث من اليمن برؤية مختلفة.

هل يمكن أن تكون الحروب الإعلامية عاملًا هامًا في حسم المعارك؟

قد لا تكون كذلك؛ لكنها عامل جوهري في الشحن، وتضليل الجمهور، أو تنوير وتبصير الجمهور بالحقائق.

والسؤال الجدير بالطرح الآن ليس عن مدى استخدام الأنظمة والجماعات لهذا السلاح؛ بل عن جدواه. وبالنظر للمعطيات الموجودة على الأرض، فالقول بنتيجة حاسمة فيما إذا كان نجح أو فشل، هي غير ممكنة؛ فإذا كان فشل في موقف محدد فقد نجح في آخر، وهو مبحث آخر طويل يستدعي نقاشًا وشواهد مستقلة.

altagreer.com/البروبغاندا-العربية-معارك-عبر-الأثير/

تعليق 1
  1. عبالحق م يقول

    مولودان ولدا بشوارب وأسنان وعضلات مفتولة الأول حزب التجمعالوطني الديمقراطي الجزائري rnd والثاني داعش .

التعليقات مغلقة.